المحاسبي، كان الحارس بن أحمد المحاسبي أحد كبار المتصوفين في عصره، ولكن تصوفه لم يمنعه من الاستزادة في العلوم الظاهرية والارتواء منها، وقد ألف في علم الكلام، وله فيه مجادلات مشهودة أسخطت عليه فقهاء عصره كما سخطوا على جميع علماء الكلام، أما زهده فقد بلغ حد النهاية في عصره حتى لقد قيل: إنه كان إذا اشتهى لونا من ألوان الطعام ومد إليه يده تحرك في أصبعه عرق إنذارا له فيمتنع عنه، وقد أطلق عليه لفظ المحاسبي لكثرة محاسبته نفسه على ما يأتيه من أعمال، وقد توفي سنة 343ه. ومن مؤلفاته ما يأتي: (أ) «مقاصد الرعاية» وهو كتاب في المبادئ التي يجب على المتصوفة اتباعها، ويوجد في مصر. (ب) رسالة في المبادئ العشرة الموصلة إلى السعادة، ويوجد في برلين. (ج) «شرح المعادن وبذل النصيحة»، ويوجد في برلين. (د) «البعث والنشر»، ويوجد في باريس. (ه) رسالة في الأخلاق، وتوجد في مكتبة محمد علي باشا الإسلامبولي. (6)
أبو يزيد البسطامي، وقد تنسك في سوريا زمنا ثم شغف برؤية العلماء والمطلعين حتى قيل إنه عرف جميع أكابر علماء عصره وقد بلغوا مائة وثلاثة عشر عالما، ولما عاد إلى بسطام لم يستطع مواطنوه فهم مبادئه فطردوه من بلده خمس مرات، وهو من كبار المتصوفين، لولا ما أخذ عليه من صفة الكبرياء، إذ إنه - فيما روى التاريخ - كان يتصور أنه أعلم أهل عصره بلا استثناء، وأنه أعلن أنه ظل أربعين سنة يطعم من طعام غير طبيعي، وأنه عرج به إلى السماء كمحمد، ولكن قد يكون كل ذلك مدسوسا عليه ليبرر به مواطنوه طردهم إياه، لا سيما وأنه قد روى عنه مصدر آخر ما يخالف ذلك وهو قوله ما معناه: إنني فتشت في قلبي بعد أربعين سنة فوجدت فيه أثر الوثنية، وهو الاتجاه إلى غير الله، وعكفت على إزالته. وأخيرا توفي سنة 361ه.
2 (7)
الجنيد بن محمد القواريري، وقد ولد ونشأ بالعراق وكان تلميذا للمحاسبي البصري، وكان شديد الورع ولم يمنعه تصوفه عن التمسك بأهداب الشريعة، لأنه كان يؤمن بالمبدأ القائل: المتصوف هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله. وله تعبيرات صوفية شهيرة وشطحات معروفة. وقد توفي في سنة 297ه، ومن مؤلفاته كتاب «السر في أنفاس الصوفية»، ويوجد في مصر. (8)
الحلاج، هو الحسين بن منصور، ولد في فارس وكان جده مجوسيا ثم اعتنق الإسلام، وقد شب الحلاج في واسط ثم رحل إلى بغداد، وفيها التقى بكثير من المتصوفين من بينهم سفيان الثوري، ثم سافر إلى الهند فأقام بها زمنا، وبعد عودته أدى فريضة الحج ، ثم مكث زمنا بمكة راض فيه نفسه على الزهادة والتنسك، ثم رجع إلى بغداد، وكان ذلك في عهد الخليفة المقتدر.
كان الحلاج شغوفا بكثرة الاطلاع، وكان عقله سهل الانتقال من رأي إلى رأي، فإذا ثبت لديه صحة الرأي أسرع إلى اعتقاده وإعلانه، ولذلك قال له أحد أساتذته يوما ما معناه: يا أبا منصور، ليس بعيدا ذلك الوقت الذي يحمر فيه النطع من دمك!
اشتهر الحلاج وعلا صيته، ونسب إليه في خراسان وبغداد كلام يخالف ظاهر الشريعة، فأثار ذلك عليه حقد العلماء، فأبلغوا عنه الخليفة، واستشهدوا على كفره بمستند موقع عليه من عدد كبير من القضاة والفقهاء، فأمر الخليفة بالقبض عليه وألقى به في السجن ثمانية أعوام، وفي نهاية هذه المدة جدد العلماء الشكوى في حماسة أعظم من الأولى وطالبوا بقتله، فأجابهم الخليفة إلى سؤلهم وأمر بتسليمه إلى الجلاد.
وقد سرد فريد الدين الفارسي قصة تعذيبه، ولعلها من موضوعات المتصوفة الكلاميين ليشنعوا بها على علماء الدين الذين يحافظون على آداب التعبير في الأمور الاعتقادية، قال: «أصعد الجلاد الحلاج فوق منصة عالية تحوط به الجماهير الغفيرة من عامة الشعب ملقية عليه الأحجار والأوحال، وهو لا ينفك عن تكرير تلك الكلمة التي كانت السبب في قتله وهي: «أنا الحق والحق أنا.» ولما طلب إليه أن ينطق بالشهادة صاح مخاطبا الإله قائلا: «إن وجودا أنت فيه غير محتاج إلى مشعل ينيره.» ولعل معنى هذه الكلمة أن وجود الله واضح وليس محتاجا إلى أن يؤيده الحلاج بشهادته، ولما سئل: ما هي الصوفية؟ أجاب بقوله: «هي ما لا تستطيعون أن تفهموه.»
فأخذ الجلاد يضربه بالسوط وهو يبتسم، فلما فرغ من ضربه قطع يديه ورجليه فقابل ذلك بالابتسام، وجعل يلطخ وجهه بدم ذراعيه المتدفق، ولا يدري أحد ما حكمة ذلك عنده، ثم فقأ الجلاد عينيه، وفي اللحظة التي هم الجلاد فيها بقطع لسانه كان هذا اللسان ينطق بالاستغفار لذلك الجلاد ومن اشتركوا معه في تعذيبه، وبعد موته أحرقوا جثته وألقوها في نهر دجلة، وقيل إن رأسه أرسل إلى خراسان.» وقد صور الأستاذ الدكتور العناني الحلاج بصورة أنزل كثيرا من الصورة التي يرويها الأستاذ «كاردي فو».
أما مذهبه فكان وحدة الوجود بعد أن اختلطت بشيء من تعاليم الإسماعيلية، وكان الحلاج يصرح بهذا كثيرا، فيقول: «أنا الأول والآخر والظاهر والباطن، أنا الحق والكل، ووجودي غير محتاج إلى دليل؛ لأني في كل شيء مقيم.» إلى آخر ذلك.
صفحة غير معروفة