ترجمة الإمام الحسين(ع)

ابن العديم ت. 660 هجري
173

ترجمة الإمام الحسين(ع)

تصانيف

وأصحابه حتى ابرد وكان يوم قائظ شديد حره.

فلما قام من رقدته دعا بماء، فغسل يديه فانقاهما ثم مضمض فاه، ومجه إلى عوسجة كانت إلى جنب خالته ثلاث مرات، واستنشق واستنثر ثلاثا ثلاثا إلى أن قالت: ثم مسح رأسه ما أقبل منه وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه ظاهرهما وباطنهما، والله ما عاينت أحدا فعل ذلك قبله، وقال: «إن لهذه العوسجة لشأنا»!

ثم فعل ذلك من كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثم قام فصلى ركعتين، فعجبت وفتيات الحي من ذلك، وما كان عهدنا بالصلاة ولا رأينا مصليا قبله!

فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عادية قامتها [89] وخضد الله شوكها، وساحت عروقها، وكثرت أفنانها، واخضرت ساقها وورقها، واثمرت بعد ذلك واينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق، ورائحة العنبر وطعم الشهد،

والله ما أكل منه- يعني جائع- إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا برئ، ولا ذو حاجة وفاقة إلا استغنى، ولا أكل من ورقها ناقة ولا شاة إلا در لبنها، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل بنا، واخصبت بلادنا وامرعت!

فكنا نسمي تلك الشجرة «المباركة»، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستشفون بها، ويتزودون في الأسفار، ويحملون معهم في الأرضين القفار، فتقوم لهم مقام الطعام والشراب،

صفحة ١٩٤