تربية الخيال
عندما أتأمل في الجرائم التي يرتكبها المجرمون، من سرقة أو اغتيال، أو تزوير، أو نصب، لا أتمالك الإحساس بأن هذه الجريمة التي وقع فيها أحدهم ليست الأولى إلا من حيث الاقتراف.
أي أن هذا المجرم، قبل أن يرتكب جريمته هذه الأخيرة التي قادته إلى السجن أو إلى المشنقة، قد فكر كثيرا فيها وارتكبها بخياله، وحلم بها في نومه وفي يقظته، واجتر الفكرة، حتى انتهى إلى الاقتراف.
وكثير منا على هذه الحال؛ أي: أنه يرتكب الجريمة بالفكر والخيال والاتجاه؛ لأنه يترك عواطفه تطغى على عقله، ويستسلم للخواطر الإجرامية؛ اعتقادا بأن هذه الخواطر لن تؤذيه؛ إذ هو بعيد عن الاقتراف.
ولكن هذا خطأ؛ لأن الخطوة قصيرة بين الفكر والعمل، ويجب لهذا ألا نترك خيالنا مسيبا، تسوقه وتوجهه عواطفنا الغشيمة؛ أي: يجب أن نربي عواطفنا ونوجه خيالنا حتى لا نرتكب الجرائم بالفكرة، ثم ننساق بعد ذلك إلى ارتكابها بالفعل.
ولذلك يجب أن نراقب خيالنا، ونوجهه نحو الخير والبر، ونحلم بالخدمة، ونستورد إلى عقولنا الخواطر التي تثير في نفوسنا الشهامة والشرف والحب، ونستبعد عنها الخواطر التي تثير الحسد والحقد والانتقام والأنانية، وبهذا نبتعد عن الجريمة، ليس بالفعل فقط، بل بالفكرة أيضا.
لقد كان أفلاطون يقول: إن ما يحلم به العقلاء يفعله المجانين، ولكن هؤلاء العقلاء قد يعودون مجانين إذا أدمنوا الفكرة وحلموا بها كثيرا.
إن لنا تراثا من العواطف الوحشية التي كانت تخدمنا في حياة الغابة القديمة، حين كان البطش يسعفنا أكثر من العقل، ولكن هذا التراث يؤذينا في حياة المدنية، ويجب لذلك أن نربي عواطفنا على المعيشة الاجتماعية البارة، وخدمة البشر، بأن نجعل أخيلتنا بارة كريمة.
الفصل الثامن والأربعون
غاندي زعيم الإنسانية
صفحة غير معروفة