طريق الهجرتين - دار ابن القيم

ابن القيم الجوزية ت. 751 هجري
111

طريق الهجرتين - دار ابن القيم

محقق

محمد أجمل الإصلاحي

الناشر

دار عطاءات العلم (الرياض)

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

مكان النشر

دار ابن حزم (بيروت)

تصانيف

التصوف
ولا له به اكتراث، لصعوده عنه وارتفاع همّته إلى المالك الحقّ، فهو غنيّ به وبحبّه ومعرفته وقربه منه عن كل ما سواه، وهو فقير إليه دون ما سواه. فهذا هو البريء عن رؤية الملكة الموجبة للطغيان، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧)﴾ [العلق/ ٦ - ٧] ولم يقل: "أن استغنى"، بل جعل الطغيان ناشئًا عن رؤيته (^١) غنى نفسه. ولم يذكر هذه الرؤية في سورة الليل بل قال: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩)﴾ [الليل/ ٨ - ٩] (^٢). وهذا -واللَّه أعلم- لأنّه ذكر موجب طغيانه وهو رؤيته (^٣) غنى نفسه، وذكر في سورة الليل موجِب هلَاكه وعدم تيسيره لليسرى، وهو استغناؤه عن ربّه بترك طاعته وعبوديته، فإنه لو افتقر إليه لتقرّب إليه بما أمره به (^٤) من طاعته، فعلَ المملوك الذي لا غنى له عن مولاه طرفةَ عين ولا يجد بدًّا من امتثال أوامره. ولذلك ذكر معه بخله، وهو تركه إعطاءَ ما وجب عليه من الأقوال والأعمال وأداءِ المال، وجمع إِلى ذلك تكذيبَه بالحسنى، وهي التي وعد بها أهل الإحسان بقوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس/ ٢٦]. ومن فسّرها بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه فلأنّها أصل الإحسان، وبها تنال الحسنى. ومن فسّرها بالخلَف في الإنفاق فقد هضم المعنى حقَّه، وهو أكبر من ذلك، وإن كان الخلَف جزءًا من أجزاءِ الحسنى.

(^١) "ك، ط": "رؤية". وفي "ف": "عين نفسه"، تحريف. (^٢) زاد في "ك، ط" الآية العاشرة. (^٣) "ك، ط": "رؤية". (^٤) "به" ساقط من "ك، ط".

1 / 25