طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول
الناشر
دار البصيرة
الإصدار
الأولى
مكان النشر
الإسكندرية
تصانيف
فتجد أتباع ((أرسطو)) يتبعونه فيما ذكره من المنطقيَّات والطبيعيات والإلهيات، مع أن كثيراً منهم قد يرى بعقله ما قاله ((أرسطو))، وتجده لحسن ظنه به يتوقّف في مخالفته، أو ينسب النقص في الفهم إلى نفسه، مع أنه: يعلم أهل العقل، المتّصفون بصريح العقل، أن في المنطق من الخطأ البيِّن ما لا ريب فيه. كما ذُكر في غير هذا الموضع.
وأما كلام ((أرسطو)) وأتباعه في الإلهيات، فما فيه من الخطأ الكثير والتقصير العظيم، ظاهر لجمهور عقلاء بني آدم. بل في كلامهم من التناقض ما لا يكاد يُستقصى، وكذلك رؤوس المقالات البدعية جمعت بين مخالفة النقل والعقل المعلومين.
ومما يدل على فساد معقولات الفلاسفة وأهل الكلام الباطل، بقطع النظر عما يدلُّ على فسادها عقلاً ونقلاً، وكثرة التناقض والاضطراب بين أهلها، وعدم الاستقرار والاتفاق على رأي واحد. بل ربما قال الواحد من أئمتهم ورؤسائهم القول، وقال إنه مقطوع به، ثم في كتاب آخر يقول إنه مقطوع بخلافه! فعقول هذه حالها، لا يصلح أن تكون معتبرة في الأمور الجزئية، فضلاً عن تقديمها على نصوص الأنبياء والمرسلين في الأمور العظيمة من أصول الدين.
وكثير من أذكياء أهل الباطل ورؤسائهم تراجعوا عن باطلهم، واعترفوا بالضلال والحيرة. فمنهم من وُفِّق بعد ذلك لسلوك طُرق أهل العلم والإيمان، فصار إماماً في الهدى، بعد ما كان إماماً في الضلال، ومنهم من لم يتيسَّر له ذلك، فاعترف ببطلان ما كان عليه أولاً، وبقي على دين العجائز، وأهل الفِطَر الصحيحة. وكثير منهم في طغيانهم يعمهون، وفي غيِّهم يترددون، وذلك أن الهدى هو ما بعث الله به رسوله. فمن أعرض عنه لم يكن مهتدياً، فكيف بمن عارضه بما يُناقضه، وقدَّم مُناقضَه عليه؟
والمقصود هنا أنه لو سوِّغ للناظرين أن يعرضوا عن كتاب الله، ويعارضوه بآرائهم ومعقولاتهم، لم يكن هناك أمر مضبوط، يحصل لهم به علم ولا هدى، فإن
47