يبدي فظائعهم لعين الرائي
نيران حقدي أضمرتها قلوبهم
فتسربلوا من لونها برداء
ما دام أهل النار تحجب روضنا
عنا فأين معالم السراء
إن يدعوا الإنصاف أو ينسب لهم
فوفاء عرقوب وبخل الطائي
كتبت ذلك في كناشة الأعمال بالقلم الرصاص، وما كنت كما قدمت أهتم بالسياسة، ولا أود خروج الإنجليز من مصر، ولكن هو الغيظ من الناظرة جعلني أصب جام غضبي على أبناء جنسها، شاء التجسس أن تسرق هذه الكناشة بحيلة لا أعرفها إلى الآن، وأن تعطى للناظرة، وأن ترشد إلى مكان الأبيات، وجن جنونها، ووجدت دليلا على اشتغالي بالسياسة التي علم الله أني ما اشتغلت بها، فأرسلت الكناشة إلى وزارة المعارف تطلب عقابي، وجاءني مفتش يحقق معي فيما كتبت، فقلت: هل يعاقب الإنسان عما يجول بباله وخاطره؟ قال: كلا، ولكن ليس لأي إنسان أن يحرض على الثورة ضد الحكومة القائمة. قلت: وكيف حرضت عليها أنا؟ قال: بتلك الأبيات . قلت: إن تلك الأبيات كتبت في كراسة لا يقرؤها غيري، ولست متغالية، إني أنا شخصيا لم أقرأها منذ كتبتها، فكيف تعد ذلك تحريضا وهو لم يطلع عليه أحد؟ إني يا سيدي حرة في أن أكره أو أحب دون عقاب، فإذا حرضت بطرق علنية كان لكم أن تعملوا معي ما تشاءون، أما ما يخالج ضميري، وما يجول في خاطري فلا سبيل لكم إليه، على أن تلك الناظرة يجب أن تعاقب هي إذ كانت السبب في إظهار تلك الأبيات التي لولا عملها هي لما اطلع عيها أحد. وأتم المفتش التحقيق، وعرضه على المغفور له سعد باشا زغلول، فأعجب برأيي أيما عجب، وقال: حقيقة ليس لنا على قلوب الناس رقابة، وهي لم تكتب ولم تنشر، ولا تعد هذه الكراسة إلا خيالا يجول في خاطرها، وأمر بحفظ الأوراق، وتمت السنة النهائية بحالة يعلمها الله، على أني لم أهن فيها برغم ما كانت تكنه لي الناظرة من العداء المكين.
ولم يكن المستر دانلوب من رأي الناظرة، بل كان يعطف علي ويقر وزير المعارف على رأيه فيما فعل.
تمت السنة ونجحت، وكنت الأولى بتفوق عظيم طبعا، وشاكر نفسه يقرئني السلام، وأنا أتقبله بكل سرور.
صفحة غير معروفة