يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون ، وقد كنت أفهم معنى تلك الآية على حقيقتها، فقال لي هو: إن أخاهم اسمه نكتل. وهنا سخرت منه، وقلت له: إن الكفر هو ما تعلمته أنت عن أستاذك. وكتبت له قصيدة الذم كما أوعدته، وكان اسمه محمدا أبا نصرة، ولست أتذكر شيئا من تلك القصيدة إلا البيتين الآتيين:
أمحمد سموك خابت ظنونهم
لو أنصفوك لكنت تدعى باقل
لقبت بالنصرة وفعلك ضدها
فلتعلم الأقوام أنك متخاذل
خرافات وأوهام
تأثير السرور في الصحة
مرضت بعد هذا، وكان المرض غريبا حقا؛ لأني كنت أستيقظ من النوم صارخة دون أن أشعر بذلك الصراخ، حتى إذا شعرت بحالتي أحسست كأن إبرا تغرس في كفي، وكان هذا - ولا شك - هو سبب الصراخ، وكنت لا أبقي طعاما في جوفي، وحاول الأطباء علاجي في غير جدوى.
وعز على والدتي الأمر، وهالها بالطبع مرضي؛ لأني أولا ابنتها الوحيدة، وثانيا ستفقد بفقدي المعاش المقرر لي؛ لهذا هلعت كل الهلع، وأشار عليها بعض صديقاتها بأن تعمل لي حفلة زار، فصممت على ذلك، وكانت قد باعت منزلا صغيرا لنا بمبلغ مائتي جنيه، وأرادت أن تشتري بها منزلا آخر، فلما مرضت لم تبخل علي بالمبلغ، واستعدت لعمل حفلة الزار، وأحضرت كثيرا من «مصاغ» الزار المعروف؛ كخلخال من الفضة، وأحجبة، وغير ذلك، إلا أني لم أسر لذلك المصاغ الغريب، ولم أعره أي التفات، وزارتنا في ذلك الوقت إحدى الدلالات، ومعها قرط ثمين من الماس تبلغ قيمته مائة جنيه، ولكنها كانت تعرضه بخمسين جنيها، فتشبثت بشراء ذلك القرط، ولم تر والدتي بدا من إرضائي فاشترته لي، وكان ذلك في اليوم الذي تمت فيه معدات الزار. وقد سررت بالقرط سرورا عظيما، أعاد إلي صحتي، وقامت شيخة الزار بإعداد الكرسي، ووضعت عليه صينية ملئت برءوس السكر والمكسرات، وزبادي اللبن، وغير ذلك من المأكولات. سررت بكل هذا، وكان أخي ومصطفى أفندي عبد الرازق يحذران من أن أعمل ما تعمله السيدات من ذلك الرقص المستهجن، فلم أفعل، ولكني بعد تلك الحفلة شفيت تماما، ولعل مرضي كان عصبيا فشفاه السرور والابتهاج.
وسرت والدتي بشفائي بعد اليأس، ورأت أن ما بقي معها من ثمن المنزل لا يكفي لشراء أي عقار، فاشترت لي به حليا مختلفة من الذهب كأساور وقلادات وغيرها.
صفحة غير معروفة