تصدير
مقدمة
تمهيد
1 - الجامع الطولوني
2 - أعمال لجنة حفظ الآثار العربية في الجامع1
3 - ترجمة أحمد بن طولون
تصدير
مقدمة
تمهيد
1 - الجامع الطولوني
صفحة غير معروفة
2 - أعمال لجنة حفظ الآثار العربية في الجامع1
3 - ترجمة أحمد بن طولون
تاريخ ووصف الجامع الطولوني
تاريخ ووصف الجامع الطولوني
تأليف
محمود عكوش
تصدير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد؛ فإني خلال مدة الاثنتين والعشرين سنة التي قضيتها في خدمة لجنة حفظ الآثار العربية تملكتني عاطفة الشغف بهذه الآثار والتعلق بها، ولا جدال في أن مصدر هذه العاطفة هو إعجابي بأعمال اللجنة واطلاعي على ما تحت إشرافها من الكنوز الثمينة؛ لذلك، كنت عند وضعي لهذا الكتاب في «تاريخ ووصف الجامع الطولوني» مدفوعا بهذه العاطفة لبذل كل مجهود لدي في انتقاء مواضيعه وترتيبها مع الإيجاز، على أمل أن أخرجه في الحلة اللائقة به باعتبار أنه العمل الأول من نوعه في المصنفات العربية.
ولحسن الحظ قد وقع الاختيار على مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة لإصداره، فوجدت في إدارتها العضد المشكور، الذي قام به حضرة الفاضل محمد أفندي نديم ملاحظ المطبعة، من همة وعناية في طبع الكتاب على هذا الوجه الحسن، أحسن الله إلى حضرات موظفيها وعمالها جميعا.
وقد تحريت في وضعه أن أرجع على قدر الطاقة - مع علمي بعجزي وقصوري - إلى كثير من الألفاظ التي كان مصطلحا عليها في العمارة العربية، فذكرت الجوائز، والأرجل، والأقواس، والبلاطات، والطاقات، وغير ذلك، وأدخلتها في سياق الكلام على أسلوب يسهل معه على القارئ إدراك المقصود منها بلا حاجة إلى الشرح المخل أو التطويل الممل.
صفحة غير معروفة
ولم أتجاوز عن ذكر المراجع التي استندت إليها، أو اقتبست منها، فلم أقتصر على من ذكرتهم في المقدمة من كبار المؤلفين الذين عولت على أقوالهم، كما تقضي به أمانة النقل، وفي ذكر المراجع عون لمن يريد زيادة في البحث والدرس.
محمود عكوش
مقدمة
شكل 1: نموذج من كآبة الجامع القديمة «البسملة».
أقبل العلماء الأوروبيون على البحث في الآثار العربية بوادي النيل عموما، والقاهرة على وجه خاص، يدرسون تاريخها ومبانيها، حتى أصبحت جاذبا يستهوي لرؤيتها أفئدة القادمين على البلاد من أنحاء العالم.
ولا نغالي - ومرجعنا أقوال الثقات المتضلعين في علم الآثار العربية - إن أكدنا أن العالم كله بما فيه رومية لا توجد فيه مدينة قديمة تضارع القاهرة بما فيها من الآثار المنقوشة عليها التواريخ
1
والكتابات.
وفي ذلك ما يدفعنا نحن المصريين إلى الاهتمام بدرس هذه الآثار حتى لا نلام على عدم تقديرنا لها.
وقد كان خلو البلاد إلى الآن من المدارس الخاصة بعلم الآثار العربية وصدور المؤلفات بلغة فنية بحتة مما يحول دون ميل الجمهور إلى الإقبال على زيارة هذه الآثار ودراستها؛ لذلك تملكنا السرور لما وضعت وزارة المعارف نظام الرحلات العلمية الذي يسمح للأساتذة والطلبة بمشاهدة آثار العاصمة وسماع المحاضرات من بعض الأخصائيين العارفين بها.
صفحة غير معروفة
2
والمأمول أن تتولد عن هذا النظام فوائد جمة بجانب العناية والجهود التي توجهها لجنة حفظ الآثار العربية لهذه الآثار بإذاعة المعلومات القيمة عنها بطريق الكتابة والنشر، فقد وضعت المؤلفات الجليلة ككتابي «جامع السلطان حسن» و«حفريات الفسطاط» وغيرهما، ومنشوراتها السنوية والنبذ التي تصدرها بصفة ملحقات، وهي تتضمن الفوائد الجليلة مما يجب التوسع في نشره في القاهرة والأقاليم، إلا أنه بالنظر لكثرة عدد الأجزاء الصادرة منها وتعذر اقتنائها على الأفراد وتشتت المواضيع بين صفحاتها، كل ذلك يجعلها غير كافية للقيام بحاجة الجمهور.
وقد راعت ذلك لجنة حفظ الآثار العربية، فنبهت إليه غير مرة - كما يتبين من الاطلاع على محاضر جلساتها - ورأت من الضروري وضع الرسائل المنفردة والفهارس، فأصدر المرحوم هرتس باشا كتاب «وصف جامع جانم البهلوان»،
3
ثم حالت الظروف دون الاستمرار في ذلك.
وقد رأينا أن نحاول القيام بشيء من هذا القبيل، وغرضنا أن نهدي للجمهور عن كل أثر مهم رسالة صغيرة تتضمن بحثا مكتوبا بلغة سهلة واضحة عن وصف الأثر وصفا إجماليا، وشيء من تاريخه ومميزاته الفنية، ليتمكن الجمهور المصري من الوقوف على أهمية ما هو موجود في البلاد من الآثار الباقية مما شيد الأجداد، فتنبعث في قلوبهم المحبة لها والحرص عليها ، ونكون بذلك قد حققنا رغبة طالما رددتها لجنة حفظ الآثار العربية، وشجعنا على تنفيذها حضرة صاحب المعالي جعفر ولي باشا وحضرة صاحب السعادة محمد زغلول باشا لما كانا بوزارة الأوقاف.
وكان في عزمنا ألا نخرج كثيرا عن نسق الرسالة البديعة التي كتبها المرحوم هرتس باشا عن جامع جانم البهلوان، والنبذ الأخرى التي كان يصدرها بصفة ملحقات لمجموعة اللجنة السنوية، وأن يكون اعتمادنا فيما نكتبه على مؤلفات مؤرخي العرب وغيرهم من العلماء الأخصائيين في العهد الحاضر، أمثال فان برشم وسالمون وسلادين وهرتس باشا وكوربت بك والكبتن كريسول وجاستون فييت، وغيرهم.
وبعد أن وضعنا خلاصة للرسائل الأولى باللغة الفرنسية
4
عن لنا أن نعرضها على حضرات الأساتذة سان بول جيرار والكبتن كريسول وأوجو مونريه، فأعربوا لنا عن ارتياحهم إليها، ووقعوا بذلك على النسخة الأصلية، فوجدنا في تشجيعهم ما يبرر تقديمها إلى لجنة حفظ الآثار العربية فعرضناها على جناب مسيو لاكو وحضرة صاحب السعادة مرقص سميكة باشا، ففحصاها ووقعا عليها بوجوب طبعها ونشرها بمعرفة لجنة الآثار العربية.
صفحة غير معروفة
وكانت فاتحة هذه النبذ التي شرعت في وضعها باللغة العربية ما عن لي عن جامع أحمد بن طولون، ولم أراع في ذلك الأقدمية التاريخية للأثر؛ لأن جامع عمرو وإن كان أقدم منه تاريخا، وأنشئ قبله بنحو 244 سنة على عهد الفتح الإسلامي لمصر، إلا أنه لم يتخلف لنا شيء من مبانيه الأصلية بسبب التغييرات والتجديدات التي توالت عليه تحت حكم الدول العديدة التي تعاقبت على مصر.
أما جامع ابن طولون فإن المؤرخين يعتبرونه أهم أثر عربي في مصر بالنظر إلى أقدمية مبانيه وما بقي فيه من معالم الفن العربي من العصر القديم.
وقد عرضت النسخة الأصلية على حضرة صاحب المعالي محمد شفيق باشا فتفضل - حفظه الله - بقراءتها ولاحظ أن إخراجها كما هي موجزة يجعلها «غير وافية من جهة التاريخ ولا مشبعة المعمار فيما يخص العمارة»، وأشار بالتوسع فيها أكثر من ذلك، مع ذكر الأطوال والعروض والارتفاعات، وإلحاقها بفتوغرافيات المنارة والفسقية والبوائك والقبلة والكتابات والسقف، ومن الاطلاع الآن على هذه الرسالة يظهر أني حاولت جهدي في إبرازها على نسق يقرب مما أشار إليه حضرة صاحب المعالي محمد شفيق باشا، فإليه يرجع الفضل في ظهورها على هذه الصورة، وأرجو أن أكون بوضع هذه الرسالة قد قمت بقسط من الواجب الوطني، وحققت شيئا من الرغبة التي أبداها مجلس النواب عند فحصه لميزانية دار الآثار العربية.
ولا ننسى أن نثبت للأستاذ العلامة جناب مسيو جاستون فييت مدير دار الآثار العربية فضله في نشر هذه الرسالة تحت رعاية لجنة حفظ الآثار العربية في عهد رئيسها المفضال صاحب المعالي الأستاذ الجليل محمد نجيب الغرابلي باشا وزير الأوقاف الذي تفضل فأقر طبعها في الوقت الذي توجهت عنايته فيه إلى تنفيذ قرار البرلمان وإخراج كتاب «حفريات الفسطاط» باللغة العربية.
وقد وفقنا الله إلى هذا العمل في ظل حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك ملك مصر المعظم فؤاد الأول، أطال الله أيامه وحفظ أنجاله.
محمود عكوش •••
نذكر هنا مع الشكر أن بعض الأشكال المحلاة بها هذه الرسالة هي من عمل صديقنا وزميلنا القديم مسيو ج. روسي من مهندسي اللجنة السابقين.
وقد أعارني جناب الكبتن كريسول مؤلف كتاب «الآثار الإسلامية في مصر» كثيرا من الصور الفتوغرافية التي عملت منها اللوحات التي حليت بها هذه الرسالة.
تمهيد
قدم أحمد بن طولون إلى مصر ونزل بالعسكر، ثم بنى القصر والميدان وأنشأ القطائع، وفيها شيد الجامع المشهور باسمه. (1) العسكر
صفحة غير معروفة
كان أمراء مصر ينزلون الفسطاط منذ اختطها عمرو بن العاص بعد الفتح، حتى جاءت المسودة وهي جيوش بني العباس مع صالح بن علي وأبي عون في طلب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية لما فر إلى مصر سنة اثنتين وثلاثين ومائة هجرية (750م)،
1
فعسكرت بظاهر الفسطاط في الصحراء التي يشرف عليها جبل يشكر، وكانت فضاء تعرف بالحمراء القصوى، وليس بها من العمائر غير عدة كنائس وديارات للنصارى،
2
فأمر أبو عون أصحابه بالبناء فيها فبنوا المحال والأسواق والدور العديدة، وبنى صالح بن علي دارا للإمارة، وفي سنة 169 هجرية (785 و86م) بنى ابنه الفضل جامعا، فنشأت في هذا المكان خطة جديدة صارت تعرف بالعسكر.
3
وكان العسكر يمتد على شاطئ النيل، والنيل وقتئذ أقرب إلى الشرق من موضعه الحالي؛ لأنه كان يجري بجانب المرتفع المشيد عليه جامع عمرو بن العاص، ثم ابتعد عنه على توالي الزمن نحو خمسمائة متر.
4
وكان العسكر يحده جنوبا كوم الجارح حيث تمتد الآن قناطر المجرى (العيون)، وشمالا شارع مراسينا إلى ميدان السيدة زينب حيث كانت قناطر السباع
5
صفحة غير معروفة
أمام المشهد الزينبي، وغربا بين شارعي السد والديورة، وشرقا خط تصوري يمتد من مصطبة فرعون بجوار مسجد الجاولي بشارع مراسينا إلى باب السيدة نفيسة المعروف قديما بباب المجدم (راجع أيضا «خطط المقريزي»، أول، ص305، وثان، ص265).
واستمرت دار صالح بن علي منذ بنائها ينزلها الأمراء، وكانت فيما بين جامع أحمد بن طولون وكوم الجارح («الخطط» للمقريزي، جزء 2، ص264). فلما كانت سنة 146 هجرية/763 و64م ظهرت دعوة بني الحسن بن علي بمصر فاتفق جماعة ممن بايعوا لعلي بن محمد أن يسيروا إلى المسجد الجامع
6
بالفسطاط ويستولوا على بيت المال،
7
فعمدوا إليه وانتهبوه وتضاربوا بسيوفهم، وعلم أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور ذلك، فكتب إلى يزيد بن حاتم والي مصر وقتئذ يأمره بالتحول من العسكر إلى الفسطاط وأن يجعل الديوان في كنائس القصر.
8 (2) القصر والميدان
لما قدم أحمد بن طولون من العراق أميرا على مصر سنة 254ه/868م نزل دار الإمارة بالعسكر، وكان لها باب إلى الجامع، ولما ضاق عليه العسكر لكثرة أتباعه وحاشيته، ويحتمل أنه رآه غير حصين، تحول عنه واتخذ لإقامته مكانا منعزلا فسيح الأرجاء، حيث يوجد الآن ميدان صلاح الدين الذي عرف بالرميلة وقره ميدان والمنشية، وكان فضاء يمتد إلى ما وراء جامع السلطان حسن الآن، فأمر بحرث ما فيه من قبور اليهود والنصارى واختط موضعها قصرا عظيما يحميه من ورائه الشرف الذي بنيت عليه القلعة، وكان وقتئذ يكاد يكون مهجورا، وليس في وسعنا تعيين موقعه على وجه أوضح من ذلك؛ لأن أقوال أصحاب الخطط عنه لم يرد فيها إلا أنه كان تحت قبة الهواء التي صار مكانها قلعة الجبل
9 («الخطط» للمقريزي، أول ، ص313).
وحول أحمد بن طولون السهل الممتد بين هذا القصر وجبل يشكر إلى ميدان كبير يضرب فيه بالصوالجة،
صفحة غير معروفة
10
وتأنق في بنائه تأنقا زائدا (المقريزي، ثان، ص197).
واشتهر الميدان، وغلب اسمه حتى صار القصر يعرف به، فكان من يقصد القصر إذا سئل عن ذهابه يقول: إلى الميدان.
وعمل للميدان أبوابا لكل باب اسم، وهي: باب الميدان، ومنه كان يدخل ويخرج معظم الجيش، وباب الصوالجة، وباب الخاصة، ولا يدخل منه إلا خاصة ابن طولون، وباب الجبل؛ لأنه مما يلي جبل المقطم، وباب الحرم، ولا يدخل منه إلا خادم خصي أو حرمة، وباب الدرمون؛ لأنه كان يجلس عنده حاجب أسود عظيم الخلقة يتقلد جنايات الغلمان السودان الرجالة فقط يقال له الدرمون، وباب دعناج؛ لأنه كان يجلس عنده حاجب يقال له دعناج، وباب الساج؛ لأنه عمل من خشب الساج، وباب الصلاة؛ لأنه كان في الشارع الأعظم، ومنه يخرج عند التوجه إلى الصلاة، وعرف هذا الباب أيضا بباب السباع؛ لأنه كان عليه صورة سبعين من جبس.
وكان القصر له مجلس يشرف منه ابن طولون على الميدان يوم العرض ويوم الصدقة.
واختط الميدان في شعبان سنة 256
11
هجرية/870م.
وكان الناس يدخلون من باب الصوالجة ويخرجون من باب السباع، وكان على باب السباع مجلس يشرف منه ابن طولون ليلة العيد على القطائع ليرى حركات الغلمان وتأهبهم وتصرفهم في حوائجهم، فإذا رأى في حال أحد منهم نقصا أو خللا أمر له بما يتسع به ويزيد في تجمله، وكان يشرف منه أيضا على البحر وعلى باب مدينة الفسطاط وما يلي ذلك، فكان متنزها حسنا.
12 (3) القطائع
صفحة غير معروفة
وتقدم أحمد بن طولون إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله فاختطوا، واقتطع كل واحد قطيعة ابتنى بها، فكانت للنوبة قطيعة مفردة تعرف بهم، وللروم قطيعة مفردة تعرف بهم، وبنى القواد في مواضع متفرقة، فعرف ذلك المكان بالقطائع، وعمر عمارة حسنة، وتفرقت فيه السكك والأزقة، وبنيت فيه الطواحين والحمامات والأفران، وسميت أسواقها فقيل سوق العيارين، وكان يجمع العطارين والبزازين، وسوق الفاميين، ويجمع الجزارين والبقالين والشوايين، فكان في دكاكين الفاميين جميع ما في دكاكين نظرائهم في الفسطاط وأكثر وأحسن، وسوق الطباخين، ويجمع الصيارف والخبازين والحلوانيين، ولكل من الباعة سوق حسن عامر، وامتدت هذه المباني إلى العسكر والفسطاط، حتى أصبحت المدن الثلاث بلدا واحدا عامرا لاتصال مبانيها ببعضها، وكانت القطائع تمتد غربي القلعة، يحدها من الشمال خط ينطبق عليه شارع الصليبة، ومن الغرب نواحي المشهد الزينبي، ومن الجنوب العسكر.
13
ويومئذ أهملت دار الإمارة التي ابتناها صالح بن علي بالعسكر،
14
واستقر الأمر على ذلك بعد ابن طولون أيام ابنه خمارويه وولديه: حسن وهارون، وزادت العمارة بالقطائع في أيامهما، وكثرت الناس فيها حتى قتل هارون بن خمارويه بعد قتل أبيه وأخيه، وسار محمد بن سليمان الكاتب بالعساكر من العراق من قبل المكتفي بالله ووصل إلى مصر في سنة 292ه/905م، وقد ولى الطولونية عليهم شيبان بن أحمد بن طولون، فتسلم محمد بن سليمان البلد منه، وهدم القصر وقلع أساسه، وبيعت أنقاضه وخرب موضعه، حتى لم يبق له أثر.
15
وبقيت القطائع عامرة إلى أن وقعت الشدة العظمى
16
زمن الخليفة المستنصر في القرن الخامس الهجري، فخربت هي والعسكر وظاهر مصر مما يلي القرافة، ثم نقل ما في هذه الأماكن من الأنقاض وصارت فضاء وكيمانا فيما بين مصر والقاهرة، وفيما بين مصر والقرافة («خطط المقريزي»، أول، ص305)، وقد كان الاضمحلال بدأ فيها منذ أنشئت القاهرة.
وكل معلوماتنا الآن عن القصر والميدان والقطائع مستمدة مما كتبه المؤرخون؛ إذ لم يتخلف من آثار ذلك العهد غير الجامع الطولوني.
صفحة غير معروفة
الفصل الأول
الجامع الطولوني
الجامع الطولوني هو الثالث في ترتيب المساجد الجامعة
1
التي أقيمت فيها صلاة الجمعة في مصر بعد الفتح، بناه الأمير أحمد بن طولون على جبل يشكر في الجهة الجنوبية من القاهرة بينها وبين الفسطاط في حي السيدة زينب الآن، وهو أقدم مساجد مصر بلا نزاع، بل أقدم آثارها العربية بعد مقياس النيل بجزيرة الروضة.
2
وإليه يؤدي طريقان:
الطريق الأول:
يسلك إليه من ميدان المشهد الزينبي فشارع مراسينا حتى مسجد صرغتمش بأول الصليبة حيث يوجد بجانب الوجهة القبلية من هذا المسجد سلم يوصل إلى الباب الغربي لمسجد ابن طولون، وإذا جاوز القادم من هذا الطريق جامع صرغتمش وجد ساحة كبيرة تخلفت من هدم طائفة من المنازل كانت تحجب واجهة الجامع البحرية بينه وبين الحارة التي كانت تعرف ببئر الوطاويط،
3
صفحة غير معروفة
وفي النهاية الشرقية من هذه الساحة عطفة يسلك منها إلى باب المسجد الشرقي.
الطريق الثاني:
يسلك فيه من شارع محمد علي فالسيوفية فالركبية إلى أن يصل الزائر إلى ملتقى شارعي درب الحصر وابن طولون ثم ينعطف غربا فيمر بزقاقين في صدر الثاني منهما باب المسجد الشرقي المتقدم ذكره.
ولما يصل الزائر إلى الزقاق لا يجد بأوله ولا بنهايته رحبة ولا ميدانا، بل يجد على يمينه وشماله أبنية عالية مصفوفة على الجانبين، بعضها من آثار القرن الحادي عشر الهجري، مما يجعل لهذه المنطقة منظرا خاصا تتمثل فيه بقية من المعالم القديمة التي كانت تستهوي النظر بما اجتمع فيها من الموردات والساباط
4
والسبيل.
وإذا وقف الزائر في وسط الزقاق وحول نظره نحو باب المسجد تمثله إطارا متوجا بعقد ستيني يحيط بمنارة جامع صرغتمش الرشيقة القائمة أمامه في الطرف الآخر على بعد.
5 (لوحة رقم 1).
ويحيط بالمسجد من الجهات الأربع شوارع طولون والزيادة وبئر الوطاويط
6
صفحة غير معروفة
والخضيري.
وكانت هذه الجهة تعرف بخط المغاربة. (1) السبب في إنشاء الجامع وما قيل عن بنائه في هذا المكان
كان الناس يصلون في جامع العسكر، فلما قدم ابن طولون صار يصلي فيه الجمعة، ثم ضاق على المصلين بجنده وسودانه، وشكا أهل مصر إليه فعزم على بناء جامع، فأشار عليه جماعة من الصالحين أن يبنيه على جبل يشكر وذكروا له فضائله فأخذ برأيهم.
قال ابن عبد الظاهر: وهو جبل مبارك معروف بإجابة الدعاء فيه، ويقال إن الله - تعالى - كلم موسى عليه («صبح الأعشى»، ثالث، ص344).
وقد اختلف الرواة في سبب تسميته بجبل يشكر، فقال القضاعي: ينسب إلى يشكر بن جزيلة من لخم قبيلة من قبائل العرب اختطت عند الفتح بهذا الجبل فعرف بجبل يشكر لذلك («خطط المقريزي»، أول، ص125، و«صبح الأعشى »، ثالث، ص344).
ونقل الحافظ جمال الدين اليغموري أن يشكر المنسوب إليه هذا الجبل كان رجلا صالحا (ابن دقماق، ص123، جزء رابع).
قال المقريزي: وكان هذا الجبل يشرف على النيل، وليس بينه وبين النيل شيء، وكان يشرف على البركتين؛ أعني: بركة الفيل،
7
والبركة التي تعرف اليوم ببركة قارون.
8
صفحة غير معروفة
وعلى هذا الجبل كانت تنصب المجانيق التي كانت تجرب قبل إرسالها إلى الثغور («الخطط»، أول، ص125).
ثم قال: وبجوار جبل يشكر: الكبش،
9
وهو جبل كان يشرف على النيل من غربيه، ولما اختط المسلمون الفسطاط بعد فتح أرض مصر صار الكبش من جملة خطة الحمراء القصوى.
حديث الكنز: قال جامع السيرة الطولونية: إن أحمد بن طولون بنى جامعه مما أفاء الله عليه من المال الذي وجده فوق الجبل في الموضع المعروف بتنور فرعون («الخطط» للمقريزي، ثان، ص265).
وقال المقريزي عن مسجد التنور: إنه بأعلى جبل المقطم من وراء قلعة الجبل في شرقيها، ويقال إن تنور فرعون لم يزل في هذا الموضع بحاله إلى أن خرج إليه قائد من قواد أحمد بن طولون يقال له وصيف قاطرميز وحفر تحته، وقدر أن تحته مالا، فلم يجد فيه شيئا، وزال رسم التنور وذهب («الخطط» للمقريزي، ثان، ص455).
والظاهر أن هذا الخبر الأخير هو الأصل الذي صدر عنه حديث الكنز.
10 (2) تاريخ إنشاء الجامع (لوحة رقم 2)
قال المقريزي: ابتدأ بنيانه في سنة ثلاث وستين ومائتين هجرية/876 و77م، وفرغ منه في سنة خمس وستين ومائتين/878 و79م.
11
صفحة غير معروفة
وذهب آخرون منهم أبو المحاسن بن تغري بردي وابن دقماق إلى أن أحمد بن طولون شرع في بنائه في سنة 259ه/873 و74م.
وخالفهم الكندي فقال: ابتدأ في بنائه سنة أربع وستين ومائتين هجرية، وقضي في سنة 266ه
12 /879 و80م، والصحيح هو ما أورده المقريزي، فقد ثبت ما قاله عن تاريخ الفراغ من البناء؛ لأنه وارد في كتابة الجامع التاريخية، وهي منقوشة في لوح من الرخام بالقلم الكوفي البسيط بخط ممتلئ قليل الارتفاع متقارب الحروف.
وكان مارسيل السابق على غيره نشر كتابتين تاريخيتين للجامع في أطلس كتاب «وصف مصر»، وهما في لوحتين نقلتا من بعض قطع من الرخام مكسورة ومجموعة بعضها ببعض، والنص في الكتابتين واحد مع اختلاف طفيف (راجع مجموعة الكتابات المنقوشة «القاهرة» لفان برشم، ص22، ومذكراته، ج2، ص6 في المجلة الآسيوية سنة 1891 ص527 وما يليها).
13
وفي سنة 1890 بينما كانت لجنة حفظ الآثار العربية تجري بعض الأعمال بالجامع عثر بين الأنقاض على بعض قطع من الرخام جمعت ورتبت فتألف منها اللوح الموجود الآن، وهو النصف من إحدى كتابتي مارسيل.
وهذا نص ما اشتمل عليه من الكتابة: (1) بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين، الله لا إله إلا هو الحي (2) القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في (3) الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم و(4) ما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السموات و(5) الأرض ولا يئوده حفظهما، وهو العلي العظيم، محمد رسول الله والذ (6) ين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا (7) من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم (8) في التورية، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ (9) فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا (10) وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما، كنتم خير أمة أخرجت للناس تأ (11) مرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب (12) لكان خيرا لهم، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأ (13) قام الصلوة وآتى الزكوة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا (14) من المهتدين، أمر الأمير أبو العباس أحمد بن طولون مولى أمير المؤ (15) منين أدام الله له العز والكرامة والنعمة [ا]لتامة في الآخرة والأو (16) لى ببناء هذا المسجد
14
المبارك الميمون من خالص ما أفاء الله عليه وطيبه (17) لجماعة المسلمين ابتغاء رضوان الله والدار الآخرة وإيثارا لما فيه تسنية الدين (18) وألفة المؤمنين ورغبة في عمارة بي[ت] الله وأداء فرضه وتلاوة ك[تا] (19) به ومداومة ذكره إذ يقول الله تقدس وتعالى في بيوت أذ[ن] الله أن ترفع و (20) يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن (21) ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار (22) ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من [ف]ضله والله يرزق من يشاء بغير حساب (23) في شهر رمضان من سنة خمس وستين ومائتين سبحان ربك رب العزة عما يصفون و(24) سلم على المرسلين والحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا (25) وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كأفضل ما صليت وترحمت وباركت على إبراهيم (26) ... وعلى آل إبراهيم وأنعم إنك حميد مجيد.
وقد أورد كوربت بك هذه الكتابة في رسالته التي وضعها عن هذا الجامع بعنوان «حياة وأعمال أحمد بن طولون» المدرجة في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية سنة 1891، وقد تخللها نقص في بعض المواضع وتحريف في النقل، ومن تعليقاته عليها قوله: إن هذه الكتابة على ما يعلم أقدم كتابة تاريخها معروف، ثم نوه عن قول مارسيل في البحث الذي وضعه عن مقياس النيل في كتاب «وصف مصر»
صفحة غير معروفة
15 (في المجلد الخامس عشر، ص329) إن جزءا من كتابته يرجع إلى المأمون، يعني إلى سنة 199 هجرية/814 ميلادية، وإلى عمارتي المتوكل أي إلى سنة 233 هجرية/847 ميلادية، و247 هجرية/861 ميلادية، وكانت العمارة الأخيرة على عهد أحمد بن طولون نفسه، إلا أنه يرى أن هذه الكتابات على كل حال لا تتعدى بعض الكلمات.
والصحيح أن قسما من كتابة المقياس أقدم عهدا من كتابة تاريخ الجامع الطولوني، وهو من الآيات الشريفة، والكاتب له أحمد بن محمد الحاسب في سنة 247 هجرية، وكان واردا في هذه الكتابة اسمه واسم المتوكل وتاريخ الكتابة، ثم أزيل ذلك فيما بعد واستبدل ببعض الآيات الشريفة بخط أقل إتقانا من الخط الأصلي، وكلاهما بالكوفي، ومن السهل معرفة النص الأصلي وما استبدل منه بالمقابلة بين المكتوب على جدران بئر المقياس وبين ما أورده ابن خلكان في ترجمة أبي الرداد في «وفيات الأعيان»، ج1، ص339، ولولا أن هذا البحث خارج عن الموضوع لشرحناه شرحا وافيا، وما جرنا إليه غير إشارة كوربت إلى قول مارسيل.
وبجانب هذه الكتابة التاريخية توجد بالجامع كتابات أخرى كبيرة الأهمية من أزمنة مختلفة يعرف منها تاريخ التجديدات والعمارات التي وقعت فيه، وسيأتي الكلام عليها. (3) مهندس الجامع
ذكر المقريزي أن الذي تولى بناء الجامع لأحمد بن طولون كان رجلا نصرانيا حسن الهندسة حاذقا بها، وكان عهد إليه ببناء عين بظاهر المعافر
16
وجعل عليها قناطر لا تزال بقية منها موجودة إلى الآن، واتفق أنه لما فرغ من بنائها وأقبل أحمد بن طولون ليتفرج عليها غاصت يد فرسه في موضع لم يجف بناؤه فغضب على المهندس وضربه وأمر به إلى المطبق (السجن) فأقام به مدة.
ولما أراد أحمد بن طولون بناء الجامع قدر له ثلاثمائة عمود، وقيل له لا تجدها أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب فتحمل ذلك، فلم يرض، وبلغ الخبر المهندس النصراني وهو في المطبق، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودي القبلة، فأحضره وسأله فقال: أنا أصوره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودي القبلة، فأمر أن تحضر له الجلود فأحضرت وصوره له فأعجبه، ووضع المهندس يده في البناء في الموضع الذي هو فيه وهو جبل يشكر فكان ينشر منه ويعمل الجير ويبنى إلى أن فرغ من جميعه وبيضه («الخطط» للمقريزي، ج2، ص265 باختصار).
وقد بحث كثير ممن كتبوا عن الجامع في أمر هذا المهندس، فقال بعضهم: كان بيزنطيا،
17
وقال البعض: قبطيا، وعلل الأولون قولهم بأن الطرز البيزنطي واضح في أقدم أجزاء الجامع، وهي أقوال مبنية على الظن والتخمين، وقد مهد لها الطريق سكوت الرواة والمؤرخين عن ذكر اسم المهندس، ونحن لا ننكر أن الفن العربي لم يكن بلغ أشده بعد، وأن الضرورة كانت كثيرا ما تقضي بالاقتباس من المألوف من أساليب الصناعة عند الأمم الأخرى واستحضار مهرة الصناع من فارس والروم، كما قال بذلك ابن خلدون وغيره من كتاب العرب («مقدمة ابن خلدون»، ص173؛ وابن جبير، صحيفة 262، طبع ليدن؛ و«مسالك الأبصار»، ج1، ص183).
صفحة غير معروفة
ولكن الذي يحملنا على ترجيح أن المهندس كان عراقيا مسلما كان أو نصرانيا هو ما أثبته ابن دقماق والمقريزي بوجه خاص عن هذا المسجد من أن بناءه أقيم على مثال بناء جامع سامرا («الانتصار»، ج4، ص123، و«الخطط»، ج2، ص266)، ومطابقة ذلك للواقع، كما سنبينه.
وقد شرح الكبتن كريسول هذا الموضوع جليا، فقال: إنه على عهد بني أمية كانت الدولة عربية خالصة، وكان يغلب على العمارة التأثير السوري واستعمال الفسيفساء البيزنطية، كما في قبة الصخرة، والجامع الأموي بدمشق، وقصير عمرة، وغير ذلك.
ثم انتقلت عاصمة الخلافة إلى بغداد في عهد بني العباس، وصارت مركزا لتطور الدولة، فغلبت على العمارة العربية التأثيرات الفارسية أي أساليب العمارة الساسانية والعراقية.
ولما جاء ابن طولون من سامرا إلى مصر حمل معه كل تقاليدها.
ولا يبعد أن يكون المعمار الذي شيد الجامع أحد أولئك المهندسين الذي اشتهروا في تاريخ ذلك الوقت، وأقربهم لعهد بناء الجامع أحمد بن كثير الفرغاني الذي عمل المقياس بجزيرة مصر.
18 (4) الصلاة في الجامع
قال المقريزي: ولما كمل بناء جامع ابن طولون صلى فيه القاضي بكار
19
إماما، وخطب فيه أبو يعقوب البلخي، وأملى فيه الحديث الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي، ودفع إليه أحمد بن طولون في ذلك اليوم كيسا فيه ألف دينار، وعمل الربيع كتابا فيما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم
صفحة غير معروفة
أنه قال «من بنى لله مسجدا ولو كمفحص
20
قطاة بنى الله له بيتا في الجنة» (ثان، ص265).
شكل 1-1: القطاع الأفقي للجامع.
شكل 1-2: قطاع طولي للجامع بين المحراب والمنارة (رسم كالجي من مجموعة اللجنة).
شكل 1-3: قطاع طولي للجامع بين المحراب والمنارة. (5) وصف الجامع ومساحته وتقسيمه (راجع القطاع الأفقي شكل رقم
1-2 ، واللوحة رقم 3 والقطاع الطولي شكل رقم
1-3 ) في هذا المسجد يرى المثال الأول الذي اتخذه بناة المساجد الجامعة فيما بعد، وقد بقي معمولا به في هذه البلاد حتى في العصور التي أدخلت فيها رسوم جديدة للجوامع عقب استيلاء العثمانيين على مصر، ولما نقارن بينه وبين جامع عمرو يتبين لنا أن الوضع الأفقي في المسجدين واحد مع وجود تفاوت بينهما من الوجهة الأركيولوجية «الأثرية»؛ إذ بينما جامع عمرو زيد فيه وجدد مرارا، فإن جامع ابن طولون بقي على أصله.
وقد قال الأستاذ فان برشم: إن هذين المسجدين اتفقا في الوضع الأفقي، ولكن هذا لا يقوم دليلا على ما كان عليه وضع المساجد قبل الجامع الطولوني.
وهو تقريبا على شكل مربع ضلعه 162,50 × 161,73 (= 26281,125 مترا مربعا أعني ستة أفدنة ونصف)، يشغل منه المسجد مع جدرانه مستطيلا مساحته 17243,818 مترا مسطحا، ويتكون هذا المستطيل من صحن مكشوف مربع 92,30 × 91,95 أي 8486,985 مترا مسطحا تحيط به بلاطات؛ أي أروقة
صفحة غير معروفة
21
من جوانبه الأربعة مساحتها مع الجدران 8756,833 مترا مربعا. ما هو بمقدم الجامع وفيه قبلته خمس بلاطات، منها البلاطة التي تلي الصحن اندثرت وجددت قواعدها في سنة 1920.
وما هو بكل من مؤخره وجانبيه بلاطتان، وحول بلاطات المؤخر والجانبين؛ أي من الجهات الشمالية الشرقية والشمالية الغربية والغربية الجنوبية، ثلاثة أروقة خارجية تعرف بالزيادات مسطحها مع جدرانها 9037,307 مترا.
وهذه الزيادات تكمل مساحة المربع الكلي للجامع إذا ضمت إلى المستطيل المكون منه المسجد نفسه (راجع الشكل رقم
1-2 ).
وقد ذكر ابن دقماق الأروقة الخارجية باسم الزيادات، وأورد سببا لبنائها، فقال: إن الجامع ضاق على المصلين فقالوا لأحمد: نريد أن تزيد لنا فيه زيادة، فزاد فيه هذه الزيادة بظاهره (ج4، ص123).
وقال الكبتن كريسول: إن ما يسميه ابن دقماق بالزيادة هو من أصل بناء المسجد ومثله موجود في جامع سامرا.
22
ومن ذلك يتبين أن هذه الزيادات الثلاث ليست إلا أروقة خارجية، وقد سماها ابن دقماق رواقا في موضع آخر في قوله: «ويقال إن ذرع جامع ابن طولون مثل ذلك
23
صفحة غير معروفة
سوى الرواق المحيط بجوانبه الثلاثة» (ج4، ص66).
ومما يدل على أن الأروقة من هذا القبيل اتخذت في غير هذا المسجد قول سلادين في موجزه الفن الإسلامي «العمارة» (ص90): إن الجامع الأعظم بسوسة ببلاد تونس منعزل مثل جامع ابن طولون بأروقة جانبية.
وذهب باسكال كوست إلى أن الغرض من إحاطة المسجد بالأروقة أن يكون بعيدا عن أن تصل إليه الضوضى من الخارج.
24
ولم يكن جامع ابن طولون منعزلا، بل كان بجواره كثير من المساكن وغيرها، من ذلك ما ذكره ابن عبد الظاهر في قوله: «وسمعت من يقول إنه عمر ما حوله حتى كان خلفه مسطبة ذراع في ذراع أجرتها في كل يوم اثنا عشر درهما في بكرة النهار لشخص يبيع الغزل ويشتريه، والظهر لخباز، والعصر لشيخ يبيع الحمص والفول».
ومن ذلك دار كانت أمام واجهة الجامع الشرقية، ولها - على ما جاء في قول المقريزي وأبي المحاسن - باب من جدار الجامع يسلك منه إلى المقصورة المحيطة بمصلى الأمير بجوار المحراب والمنبر، وكان يقال لها دار الإمارة؛ لأن أحمد بن طولون كان ينزل بها إذا راح إلى صلاة الجمعة فيجلس فيها ويجدد وضوءه ويغير ثيابه.
وقد تنبه سالمون إلى أن الباب المذكور لم يكن مفتوحا على الجامع مباشرة، بل كان ينفذ منه من الدار إلى رواق أو مقصورة
25
وراء جدار القبلة شبيه بالرواق الخارجي المحيط بالمسجد من الجهات الثلاث الأخرى، وقال: إن هذا الباب كان يقابله باب آخر في جدار الجامع على مقربة من الركن الجنوبي، وهذا القول لا اعتراض عليه؛ لأن وجود الرواق في هذا المكان يتم به التماثل حول الجامع في نواحيه الأربع، ويمكن تشبيهه بالطريق الدائر الذي كان يحيط بجامع عمرو من جميع الجهات (ابن دقماق جزء رابع، ص62)، وقد ورد في المقريزي ما يفهم منه أنه كان هناك فاصل بين دار الإمارة والمسجد، لقوله إنها كانت بحذاء الجامع، يعني أمام وجهته الجنوبية الشرقية.
ولقد كان مثل هذا الترتيب موجودا في جامع قرطبة الأعظم، وهو من بناء عبد الرحمن الداخل. قال ابن بشكوال: وليس لهذا الجامع في القبلي سوى باب واحد بداخل المقصورة المستجدة في قبلته متصل بالساباط المفضي إلى قصر الخلافة، منه كان السلطان يخرج من القصر إلى الجامع لشهود الجمعة («نفح الطيب» أول، ص257، طبع مصر بالمطبعة الأزهرية).
صفحة غير معروفة
وبقيت دار الإمارة إلى أن قدم الإمام المعز لدين الله أبو تميم معد من بلاد المغرب إلى مصر فكان يستخرج فيها أموال الخراج، ثم خربت هذه الدار فيما خرب من القطائع والعسكر وصار موضعها ساحة تنتهي من الجهة القبلية إلى حيث توجد الآن حارة الزيادة التي يفصلها عن الجامع الرواق الجنوبي الغربي الخارجي.
26
وقد كان بهذه الحارة قبل اليوم بنحو أربعين سنة تجاه سور هذا الرواق دور قديمة جميلة تسر الناظرين بما حوته واجهاتها من المشربيات العديدة المختلفة الرسم المحملة على حرمدانات أو كوابيل وماوردات من خير ما أخرجه الصانع وأبدعه في صناعة الخرط والتفريغ، وذلك بجانب إتقان البناء في هذه الوجهات والعناية بتقسيمها وتوزيع الفتحات فيها، وما في وضع الشبابيك والمصبعات والأبواب ذات الرسم الجميل، زيادة على تنوع النقوش المتخذة في حجارتها مما يعز وصفه ويحزن الآن فقده.
والظاهر أن هذه الدور كانت مسكنا لمن يتولون أمور الجامع الطولوني لما كان زاهيا زاهرا، وكان يقصدها هواة الفن للتمتع بمنظرها ورسمها وتصويرها باعتبار أنها من النماذج النادرة التي تمثل الحارات القديمة بالقاهرة (لوحة 4).
أسوار الجامع وأبوابه (راجع القطاع الأفقي شكل رقم
1-2 ، واللوحة رقم 5) وحول الأروقة الثلاثة الخارجية الموازية لجدران المسجد جدران بل أسوار دونها في الارتفاع، عليها شرفات مخرمة متقاربة كالمغازل، اختلف في وصفها الكتاب فشبهوها بالعمامة وألسنة اللهب وشنف الديك، وبهذه الأسوار أبواب، كل باب منها يقابل بابا من أبواب المسجد، وقد رأى ناصر خسرو السائح الفارسي هذه الأسوار في سنة 439ه فقال: «إني لم أر ما يفوقها في حسنها في غير آمد وميافارقين.» («سفرنامه»، ص145، ترجمة شيفر).
27
وكانت أبواب المسجد 33 بابا
28
بعضها بجدران الأروقة الخارجية؛ أي بالأسوار، والبعض الآخر بجدران المسجد، وبيانها:
صفحة غير معروفة