الفصل السادس
ملوك قدماء الأقباط الوطنيون
لقد مر على الأقباط حين من الدهر ذاقوا في خلاله لذة الاستقلال، وتمتعوا بمزايا الحرية الحقيقية، وكان ذلك في أيام ملوكهم الوطنيين قبل استيلاء الدول الأجنبية عليهم، وقد أنبأنا التاريخ بأن ملوكهم الأوائل كانوا من مصاف الأحبار كما أسلفنا.
على أن هذه السلطة لم تدم مخولة لهم؛ بل انتزعها منهم أحد الوطنيين الغيورين، ألا وهو الملك «مينا» الذي أسس البلاد حكومة منتظمة ووضع لها قوانين عادلة.
فالملك «مينا» هذا أول ملك انفرد بالسلطة والسيطرة بعد الكهنة، وكان متصفا بالهمة والحكمة وحسن السعي، وحسبنا على ذلك دليلا ما أتاه من الأعمال الجلال؛ إذ هو الذي بنى مدينة «منف» التي تدعى الآن «ميت رهينه» وحول النيل عن مجراه من جانب صحراء «لبية» وجعله في الوادي الذي يجري فيه الآن بين الجبلين، إلى غير ذلك من الإصلاحات والتنظيمات التي مهدت لبلاده طريق التقدم والارتقاء، وأوردت رعاياه موارد الهناء والرخاء.
ثم أخلفه في الحكم أخوه «ثتا» وكان عالما نحريرا وجهبذا خطيرا، له في الطب رسالة أتى فيها على ذكر أصل التشريح الصحيح، وتلك الرسالة هي التي أتمها وكملها «استنس» صاحب اليراع المشهور والباع الطويل الراسخ القدم في أصول هذا العلم.
وبعدئذ حكم الأقباط 26 عائلة ملوكية وطنية أشهرها ما يأتي بحسب الترتيب والتعقيب؛ أولا: الملك «سميس» الذي فشا في عصره الوباء بالديار المصرية، وأهلك من الناس جما غفيرا وعددا عديدا، فعكفت الأهالي على ارتكاب الدنايا والمعاصي، والفتن التي أفضى بها الأمر إلى حصول هيجان عظيم لم ينته إلا بانتهاء مدة عائلته.
و«بينوتريس» الذي سن قانونا جديدا مؤداه أنه يجوز للنساء الترشح لمنصب الملك عند عدم وجود الذكور أو انقراضهم، قاصدا بذلك عدم خروج الملك من عائلته الملوكية، وقد ادعى هذا الملك القرابة للآلهة، ولقب نفسه «بابن الشمس»، فنسج على منواله من أتى بعده من خلفائه، وألزموا الرعية بعبادتهم واعتبارهم بمثابة آلهة ذوي تصرف مطلق فاعلين مختارين.
ومنهم «نخروفيس» الذي قمع سكان صحراء لبية الذين شقوا عصا الطاعة عليه فكبح جماح عصيانهم، وجعلهم مذعنين صاغرين، ومن مآثر وآثار عائلة هذا الملك «المعروفة» أبو الهول الموجود بين هرمي الجيزة والهيكل الموجود بالجهة القبلية من أهرام الجيزة.
ومنهم «خوفو» وكان رجلا مقاتلا يصبو إلى اقتحام الأهوال، وولوج معامع القتال، وتشييد البنايات، وبناء الآثار والعمارات؛ إذ هو الذي بنى الهرم الكبير الموجود بالجيزة، ولا صحة لما ادعاه البعض من أن هذا الملك كان ظالما لرعيته.
صفحة غير معروفة