إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ، وهو قتال شديد على الأعداء؛ لأنه قتال يستميت فيه المسلمون، ومنها قتال «الكر والفر»، وهو القتال الذي كانوا يقاتلون عليه في الجاهلية.
أما الغنائم التي كانوا يربحونها في الحروب فكانوا يقسمونها أخماسا، فأربعة أخماس منها تعطى للمجاهدين في سبيل الله، يأخذ الراجل ثلث الفارس، والخمس الباقي يقسم حسبما أمر الله في سورة الأنفال، أما الأسرى فحكمهم ما أمر الله به في قوله:
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ، والمن هو أن يعفو الخليفة عن الأسير فيطلقه من غير فداء، والفداء يختلف قلة وكثرة حسب حال الأسير من غنى وفقر.
أما سلب القتلى وأموالهم وسلاحهم فحق للقاتل لا ينازع في ذلك.
وأما عدد الجيش فلم يكن معلوما في العصر النبوي، ولا العصر الراشدي، بل كل مسلم عاقل قوي قادر على حمل السلاح هو مدعو للقتال ملزم بالنفرة، فإذا تخلف ظن فيه النفاق، وعوقب أشد العقاب. وكان كل مسلم يعتقد أن الجهاد أول واجب عليه حتى ينصر دين الله، ولم تكن النساء والشبان الأحداث أقل حماسة في الجهاد من الرجال، ولقد ظهر لبعض النساء من الجرأة والبطولة ما خلدهن في بطون التاريخ، وكان كثير من الصبيان والأحداث يتسابقون إلى تسجيل أسمائهم في جداول الغزاة، ويحزنهم أن يردوا ويكتشف أن أعمارهم لا تخول لهم الانخراط في سلك الغزاة المجاهدين.
أما الروح المعنوية للجيش الإسلامي فكانت عجيبة، وكان المسلمون إذا خفوا للجهاد لم يردهم عن هدفهم إلا الموت أو النصر، وليس لهم غرض إلا إعلاء كلمة الله ورفع راية الإسلام، وكان من عادة قادة الجيش أن يبثوا القراء والمحرضين والمنشدين والقصاص يدعون الجنود إلى الاستماتة والاستشهاد في سبيل الله، وبذلك تمكن المسلمون بعددهم القليل وعدتهم المحدودة أن يفتكوا بتلك الدول العظمى التي تفوقهم عددا وعدة ومالا وسلطانا ونفوذا. (5) التنظيمات المالية
رأينا أن بيت المال كان موجودا منذ عهد النبي والصديق، ولكن المشهور أن عمر هو أول من نظم بيت المال، ولا ريب في أن الأموال التي تقاطرت إلى المدينة في العهد العمري كانت جد كثيرة امتلأ بها بيت المال، من زكاة المسلمين، وجزية أهل الذمة، وخمس الغنائم، ومواريث من لا وارث لهم، وقد عني الخليفة الراشد الثاني بتنظيم مصارف هذه الأموال تنظيما صحيحا لا يتطرق إليه الاضطراب أو الفساد.
أما مصارف الزكاة فهي كما أمر الله بتوزيعها عليهم في قوله:
إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ، أما الفقراء والمساكين: فهم من لا يملكون قوت يومهم، وأما العاملون عليها: فهم العمال الذين يسميهم الخليفة لقبض تلك الأموال من أصحابها الذين وجبت عليهم.
وأما المؤلفة قلوبهم: فهم قوم من الأشراف والكبراء أسلموا، وفي إسلامهم ضعف، أو إنهم لم يسلموا ولكنهم بعد هذا العطاء قد يسلمون.
صفحة غير معروفة