كاتبا للوحي، فاعتنى بالقرآن وحفظه وقراءته، وكان الرسول الكريم يقول: أقرؤكم أبي بن كعب.
وروى ابن عبد البر الأندلسي في كتاب الاستيعاب عن أبي أن النبي قال له: أمرت أن أقرأ عليك القرآن، فقال: يا رسول الله سماني لك ربك؟ فقال: نعم، فبكى أبي، وكان أحد فقهاء المدينة، وعلى جانب كبير من الأخلاق الفاضلة والمعلومات الغزيرة، كتب للنبي غير القرآن كثيرا من الرسائل. قال الواقدي: هو أول من كتب لرسول الله الوحي مقدمه المدينة، وهو أول من كتب في آخر الكتاب: «وكتب فلان».
وفي عهد عمر رحل في فتوح الشام، وشهد وقعة الجابية مع عمر، وهو الذي كتب كتاب الصلح لأهل بيت المقدس، وقد أمره أبو بكر أن يجمع القرآن الكريم مع جماعة من قراء الصحابة، فقام بالعمل أحسن قيام، وكان ذلك الجمع أول جمع للقرآن.
وقد اختلف في سنة موته، والأكثر على أنه مات في خلافة عمر بن الخطاب سنة 19ه، وقيل: بل ظل إلى سنة 32ه، فمات في صدر خلافة عثمان، وله في صحيحي البخاري ومسلم 164 حديثا (رضي الله عنه ورحمه).
3 (5) أسامة بن زيد
هو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب الكلبي، كان أبوه زيد مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وقد أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكم بن حزام لخديجة بنت خويلد، فوهبته للنبي
صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه تبناه بمكة قبل النبوة وهو ابن ثماني سنين، وكان نظام التبني معروفا في الجاهلية، فطاف به على حلقات قريش وهو يقول: «هذا ابني وارثا وموروثا.» يشهدهم على ذلك، وصار اسمه: زيد بن محمد، فلما حرم الإسلام التبني انتسب إلى أبيه حارثة، وعظم بلاؤه في الإسلام، وكان الرسول يحبه ويحنو عليه، وقد زوجه مولاته أم أيمن فولدت له أسامة، وكان الرسول لا يبعثه في سرية إلا أمره عليها، وجعل له الإمارة في غزوة مؤتة، فاستشهد فيها.
ولد أسامة في السنة السابعة قبل الهجرة في ولاء النبي
صلى الله عليه وسلم ، ونشأ في بيته، فأحبه حبا شديدا، وكان ينظر إليه نظرته إلى سبطيه: الحسن والحسين، فشب في كنف الإسلام ورعايته، ولما هاجر الرسول إلى المدينة هاجر معه، وأمره وهو شاب لم يبلغ العشرين في السرية التي بعث بها بعد غزوة مؤتة للانتقام من المشركين الذين قتلوا أباه زيدا، ولم تفصل السرية بسبب وفاة النبي، فأرسله أبو بكر كما قدمنا تفصيل ذلك، ولما رجع منصورا قربه وأكرمه طوال عهده، ولما فرض عمر بن الخطاب للناس الأموال من بيت المال فرض لأسامة خمسة آلاف، وفرض لابن عمر ألفين، فقال ابن عمر: فضلت علي أسامة وقد شهدت ما لم يشهد! فقال: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك، وأبوه كان أحب لرسول الله من أبيك . ولما وقعت الفتنة بين الإمام علي ومعاوية اعتزل بعد مقتل عثمان إلى أن مات في أواخر أيام معاوية، فترك الحجاز وقصد الشام، وسكن المزة (مزة كلب) من أعمال دمشق، ورجع قبل وفاته ليسكن المدينة، ومات فيها «بالجرف»، وقد اختلف في سنة وفاته، وصحح ابن عبد البر أنه توفي سنة أربع وخمسين، وقيل: بل مات سنة 58 أو سنة 59.
صفحة غير معروفة