وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي
وأدرك عمرو بن العاص خطورة الموقف، فأشار على معاوية برفع المصاحف على الرماح والسيوف، وأن ينادي: هذا كتاب الله بيننا وبينكم، فانخدع العراقيون بذلك، وكان أمر التحكيم على ما سنفصله.
وبعد أن تم أمر التحكيم انصرف أهل الشام إلى معاوية يسلمون عليه بالخلافة، وانصرف العراقيون متفرقين واضطربوا على الإمام، بل خرجت منهم طائفة عليه تحاربه.
وشتان بين أنصار الإمام وأنصار معاوية؛ فقد ذهب أولئك مشتتي الكلمة، وذهب هؤلاء صفا واحدا، وقد أراد الإمام عليه السلام أن يعود ثانية لمحاربة معاوية، ولكن الخوارج أفسدوا عليه أمره؛ لأنهم ساروا نحو «المدائن» يفسدون الحرث والنسل ويحملون عليه، فاضطر إلى أن يلحق بهم ويحاربهم، ويقتل منهم مقتلة كثيرة في النهروان، وكانت حوادث النهروان السبب في مقتل الإمام عليه السلام كما سنشرح ذلك بعد. (1) مزاياه النبيلة عليه السلام
كان الإمام على جانب عظيم من المزايا الخلقية والخلقية الرفيعة كما أسلفنا، وكانت الشجاعة أبرز تلك المزايا؛ فقد كانت جرأته مضرب الأمثال، وليس أدل على ذلك من مخاطرته بنفسه ليلة هجرة الرسول
صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة كما رأينا، مع معرفته بأن قريشا تريد قتل الرسول في تلك الليلة، وكان الإمام من أشد الناس وطأة على المشركين في الغزوات التي لم يتخلف عن واحدة منها، وعلى يديه الطاهرتين فتحت خيبر رغم شدة تحصينها، وكان زاهدا عفيفا، حريصا على ألا يضيع أموال المسلمين ، مؤثرا للخشونة، ومن أقواله في ذلك: تزوجت بفاطمة وما لي فراش إلا جلد كبش ننام عليه ...
وروى هارون بن عنزة عن أبيه قال: دخلت على علي بالخورنق، والفصل شتاء، وعليه خلق قطيفة وهو يرعد منه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيبا، وأنت تفعل هكذا بنفسك؟ فقال: والله ما أرزأكم شيئا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة.
صفحة غير معروفة