ظلت مصر تحت إمرة عمرو بن العاص فاتحها في عهد عمر، ولما استخلف عثمان أقره على عمله، وفي السنة الثانية من خلافته علم عمرو أن روم القسطنطينية قد كتبوا إلى روم مصر يدعونهم إلى نقض العهد والثورة على المسلمين، فأجابوهم إلى ذلك وثاروا، حاشا المقوقس فإنه حافظ على عهده، ولما بلغ ذلك عمرا سار إلى الإسكندرية فلقيه رومها ومن جاءهم من روم القسطنطينية، وجرت بين الطرفين معارك كثيرة هزم فيها الروم وهدم سور المدينة.
وفي تلك السنة سير عمرو بن العاص عبد الله بن سعد بن أبي سرح غازيا في شمال إفريقية ففتح وغنم، وأنفله عثمان خمس الخمس، ثم رجع بعد أن صالحه ملك إفريقية، ولم يلبث أن أخذ يهيئ نفسه لغزو إفريقية ثانية، فخرج إليها في جمع عظيم، والتقى بملك إفريقية الذي ولاه الروم عليها من حدود طرابلس إلى طنجة، وامتدت المعارك بين الجانبين عند «سبيطلة» عاصمة الملك، وأمد عثمان المسلمين بجيش على رأسه عبد الله بن الزبير، فانهزم المشركون وقتل ملك إفريقية، وصالح عبد الله بن أبي سرح أهل إفريقية على ألف ألف وخمسمائة دينار، وأرسل إلى عثمان بالبشارة والأخماس وعاد هو من إفريقية، وكان مقامه فيها سنة وربعا. (5) الفتوحات في عهده
رأينا أن عمال عثمان في العراق ومصر والشام قد نشطوا في الفتوح، وفي إعادة من انتقض من أهل البلاد المفتوحة في عهد عمر، ويمكننا إجمال هذه الأحداث كما يلي: (1)
المشرق: أعاد المسلمون فتح إيران وخراسان وبلخ، وفتح بلاد طبرستان ومصر وسرخس وبلاد الخزر والديلم، حتى وصلوا «بلنجر» وهي أكبر مدنهم، وتقع خلف دربند - باب الأبواب - ولكن الترك تجمعوا عليهم فهزموهم. (2)
آسيا الصغرى: عني معاوية بفتح بلاد آسيا الصغرى وجزائر بحر الروم، فوصلت جيوشه إلى «عمورية» قرب «بروسة»، وافتتحها واستولى على جزيرتى: قبرص ورودس، وفتح كثيرا من الحصون، ودخل أرمينية حتى وصل إلى «قاليقلا» و«تفليس». (3)
إفريقية: سار عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى إفريقية الشمالية، ولما انقطعت أخباره أمده عثمان بعبد الله بن الزبير، فتمكن من إخضاع شمالي إفريقية كله، وغزا بلاد النوبة، فبلغ «دنقلة» وصالح أهلها.
الفصل الخامس
في الأحداث الكبرى في خلافته
(1) سقوط الخاتم النبوي من يد عثمان في «بئر أريس»
وهو بئر على ميلين من المدينة؛ فقد روى المؤرخون أن رسول الله لما أراد أن يكتب إلى الأعاجم كتبا يدعوهم فيها إلى الإسلام قيل له: إنهم لا يقبلون الكتاب إلا أن يكون مختوما، فأمر رسول الله أن يعمل له خاتم من فضة نقش عليه: «محمد رسول الله»، فجعله في إصبعه، وكان هذا الخاتم في يده حتى قبضه الله إليه، ثم استخلف أبو بكر فتختم به حتى مات، فلما ولي عمر جعل يتختم به حتى مات، فلما ولي عثمان تختم به ست سنوات، ولما كانت سنة 30 للهجرة حفر «بئر أريس» للمسلمين، فقعد على رأس البئر، فجعل يعبث بالخاتم ويديره بأصبعه فانسل من يده ووقع في البئر، فطلبوه منها ونزحوا ما فيها من ماء، وجعل فيه مالا عظيما لمن وجده، فلم يجدوه، واغتم لذلك غما شديدا، فلما يئس منه أمر فصنع له خاتم آخر من فضة على مثاله، فلما قتل ذهب الخاتم من يده، فلم يدر من أخذه. (2) فتنة أهل الكوفة
صفحة غير معروفة