أن العرب الفاتحين كانوا ينظرون بحذر شديد إلى رجال الدين والتشريع، وهم رجال العلم في الدولة البيزنطية.
ثانيهما:
أن حركة العلم في الدولة العربية كانت بعد في عهد الإنشاء؛ فقد كان العرب أمة أمية، ولم يكن عمل الخلفاء الراشدين في هذا الحقل ذا أثر كبير، وكذلك كان الحال في الفترة الأولى من عهد بني أمية، ولكن على الرغم من ذلك فإن بداية بعض الحركات العلمية قد ظهرت وهذا تبيانها. (1) القرآن
في ولاية يزيد بن أبي سفيان على الشام كتب إلى عمر بن الخطاب يقول: إن أهل الشام قد كثروا وربلوا وملئوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن، ويفقههم فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم. فبعث إليه بمعاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وقال لهم: ابدءوا بحمص، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين، فذهب عبادة إلى حمص، وأبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين. وهذه أول بعثة علمية تركت الحجاز إلى الشام، يرجع الفضل فيها إلى عمر، كما يرجع إليه الفضل في جمع القرآن للمرة الأولى. قال زيد بن ثابت: أرسلت إلى أبي بكر فأتيته فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال لي: إن القتل قد استحر بالقراء يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل في القراء في المواطن كلها، فيذهب كثير من القرآن، فأرى أن يجمع القرآن بالحال. فقلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟
فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله له صدري.
فقال له أبو بكر: يا زيد، إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
فتتبع القرآن واجمعه. فكانت الصحف عند أبي بكر حياته ثم عند عمر.
2
ولما كثر المسلمون وانتقلوا في الفتوح في الشام ومصر والعراق وإفريقية وإيران في عهد عثمان، وحدث أن وجدت بعض الحوادث والفتن؛ بسبب بعض الاختلافات في آي القرآن وقراءته، وأخذ بعضهم ينسب إليه ما ليس فيه من أحاديث الرسول، وبلغت هذه الأخبار مسامع الخليفة، فأمر في سنة 30ه زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومي أن يكتبوا نسخا من القرآن، وقال: إن اختلفتم في حكمة فاكتبوها بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. فلما كتبوها بعث بها إلى الأمصار الإسلامية: مكة والبصرة والكوفة ودمشق، وأبقى نسخة في المدينة ونسخة لنفسه، وصار المصحف العثماني مرجع الناس وعنه انتسخوا نسخهم، وأمر بإتلاف كل ما خالفها، ومنذ ذلك الحين أخذت علوم القرآن وقراءاته والروايات تنشأ في الشام والعراق. (2) الفقه والحديث
صفحة غير معروفة