60-64ه/680-684م (1) أوليته
ولد أبو خالد يزيد في سنة 26 للهجرة، وأمه ميسون بنت بجدل بن أنيف الكلبية، وكانت سيدة بدوية، لم تحتمل عيشة المدن والحضارة، فطلبت من معاوية أن يردها إلى البادية فذهبت إليها، وربت ابنها تربية بدوية، وقد نشأ يزيد نشأة فتيان قريش، فصيحا قويا وشاعرا بارعا، قال في الفخري: كان موفر الرغبة في اللهو والقنص والخمر والنساء والشعر، كان فصيحا كريما، شاعرا مفلقا، قالوا: بدئ الشعر بملك وختم بملك؛ إشارة إلى امرئ القيس وإليه.
1
وكان يزيد ذا مواهب كثيرة من عقل وحنكة وشجاعة ودراية، ولكن الظروف التي أحاطت به قد شوهت سمعته. (2) خلافته
بويع يزيد بالخلافة بعد وفاة أبيه للنصف من رجب سنة 60ه، وقيل لثمان بقين منه، فأول عمل عمله إقراره ولاته عمال أبيه، فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة، والنعمان بن بشير على الكوفة، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة، وعمرو بن سعيد بن العاص على مكة، ثم التفت إلى طلب بيعة النفر الذين تخلفوا عن مبايعته، فكتب إلى الوليد بن عتبة كتابا فيه: «أما بعد، فإن معاوية كان عبدا من عباد الله، أكرمه الله، واستخلفه، وخوله، ومكن له، فعاش بقدر ومات بأجل، فرحمه الله؛ فقد عاش محمودا ومات برا تقيا، والسلام.» ثم كتب إليه رسالة أخرى فيها: «أما بعد، فخذ حسينا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة، حتى يبايعوا.» فدعا الوليد مروان بن الحكم وأطلعه على الكتاب، فلما قرأه استرجع وترحم على معاوية، ثم قال: أرى أن تبعث الساعة إليهم فتدعوهم إلى البيعة، والدخول في الطاعة، فإنهم إن علموا بموت معاوية، وثب كل امرئ منهم في جانب، وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه. لا أدري، أما ابن عمر فإني لا أراه يرى القتال، ولا يحب أن يولى إلا أن يدفع إلى هذا. أما الحسين وابن الزبير فإنهما يطمعان فيها. ثم بعث إلى الحسين وابن الزبير فاجتمعا وتشاورا في الأمر، فقال الحسين لابن الزبير: يا ابن الزبير قد ظننت أن طاغيتهم قد هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر، فقال ابن الزبير: وأنا ما أظن غيره، فماذا تريد أن تصنع؟ قال الحسين: أجمع قياني الساعة ثم أمشي إليه، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت. قال ابن الزبير: فإني أخافه عليك، فقال الحسين: لا آتيه أولا وأنا على الامتناع قادر، ثم قام فجمع إليه مواليه وأهل بيته، ثم أتاه، فسلم عليه بالإمرة، ومروان جالس عنده، فقال الحسين: الصلة خير من القطيعة، أصلح الله ذات بينكما. فلم يجيباه في هذا بشيء، ثم أقرآه كتاب يزيد، ودعياه إلى البيعة، فقال الحسين: إنا لله وإنا إليه راجعون، ورحم الله معاوية، وعظم لك الأجر يا وليد. أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا، ولا أراك تجتزئ بها مني سرا دون أن نظهرها على رءوس الناس علانية. قال: أجل. قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا، فقال له الوليد: حسنا، انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس . وقال مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت عليه أو تضرب عنقه، فوثب الحسين وقال: يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت، ثم خرج فقال مروان للوليد: عصيتني، «والله لا يمكنك من نفسه أبدا»، ودخل الحسين بيته ثم خرج ليلا إلى مكة هاربا.
أما ابن الزبير فإنه قال للرسول: اذهب فسآتيكم. ثم دخل داره، حتى إذا كان الليل خرج فأخذ طريق الفرع، هو وأخوه جعفر، وقصد مكة فدخلها قبل الحسين بيوم، فلما دخلها قال: أنا عائذ بالبيت، ولم يكن يصلي مع الناس ولا يفيض بإفاضتهم، وكذلك فعل الحسين. وأما ابن عمر فإنه قال لهم: إذا بايع الناس بايعت. فتركوه وكانوا لا يتخوفونه.
2 (3) نكبة الحسين
لما اجتمع ابن الزبير والحسين في مكة، وأخذا يثيران الناس على يزيد ضاق يزيد بهما، ولكن مكانتهما وموضعهما كانا يحولان دون الفتك بهما، ويظهر أن ابن الزبير قد رأى في الحسين منافسا قويا، فعزم على السكوت مؤقتا إلى أن يحين وقته.
3
وأخذ الحسين يكاتب شيعته في الكوفة ويكاتبونه؛ ومن ذلك ما كتبوا به إليه يقولون: «أما بعد، فالحمد لله الذي قصم ظهر عدوك الجبار العتيد، الذي اعتدى على هذه الأمة فانتزعها حقوقها واغتصبها أمورها، وغلبها على فيئها، وتأمر عليها على غير رضى منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، فبعدا له كما بعدت ثمود، إذ ليس علينا إمام، فاقدم علينا لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فإن النعمان بن بشير في قصر الإمارة، ولسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا مخرجك أخرجناه من الكوفة وألحقناه بالشام.»
صفحة غير معروفة