ولما مات مؤسس دولة الموحدين عبد المؤمن في سنة 1163م خلفه ولده أبو يعقوب يوسف (1163-1184م)، ثم حفيده يعقوب المنصور (1184-1199م)، فسارا على غرار عبد المؤمن، وتوسعت رقعة الدولة، فبلغت من المحيط الأطلسي إلى حدود مصر مع سائر بلاد الأندلس.
ولما مات المنصور سنة 1199م خلفه ابنه محمد الناصر (1199-1214م)، وتجمعت ملوك الفرنجة في عهده لقتاله والقضاء على الإمبراطورية الموحدية، فلقيهم بجيش عدده تسعة وخمسون ألف مقاتل، فمزقوا شمله وهرب الناصر إلى مراكش. وتعاقب على الملك بعده تسعة نفر من أسرته، لم يكن في سيرتهم ما يستحق الذكر إلى أن سقطت دولتهم بيد بني مرين البربرية في سنة 1269م.
أما الأندلس بعد انهزام الناصر فقد تقاسمها أمراء الفرنجة وبعض متنفذة المسلمين، ومن أشهرهم بنو نصر أصحاب آخر دولة مسلمة في الأندلس. (3) دولة بني نصر
قام بعد القضاء على دولة الموحدين أمير مسلم عظيم في سنة 1231م، يحاول الوقوف أمام ملوك النصارى، وهو محمد بن يوسف بن أحمد بن نصر المعروف بابن الأحمر، مؤسس دولة بني نصر أو دولة بني الأحمر، وكان محمد رجلا قويا حازما، أعلن إمارته على الأندلس، واستولى على بلاد جيان، ووادي آش، وبسطة، وغرناطة، ولما سقطت غرناطة بيد النصارى في حزيران سنة 1235م، حاول محمد أن يستردها فلم يفلح، واضطر أن يصالح الملك فرديناند الثالث صاحب قشتالة (1217-1252م)، وظل على ذلك إلى أن مات، فخلفه ابنه محمد الثاني (671ه/1272-1302م)، وحاول أن يتحلل من معاهدة الصلح مع فرديناند ومن الجزية التي كان يدفعها أبوه إليه، فاتصل ببني مرين أصحاب مملكة مراكش، وطلب إليهم أن يعاونوه على فرديناند، فأنجده السلطان أبو يوسف المريني، كما أنجد المرابطون والموحدون ملوك الأندلس ضد النصارى من قبل، وزحفت جيوش بني مرين على الأندلس، ولكنها لم تستطع أن تقضي على النفوذ النصراني، فعمد محمد الثاني إلى المخاتلة والمراوغة، وعقد معاهدات مع ملك قشتالة، واستطاع أن يأمن شره، ويعيش فترة من الزمن في هدوء وسكينة، استطاع أن يعنى فيها بأمور البلاد وعمرانها، فشيد بعض القصور والأماكن العامة، وأجلها وأشهرها «قصر الحمراء» الخالد في غرناطة، التي غدت كالبقعة البيضاء في البساط الأسود، فقد استولى النصارى من أصحاب قشتالة وليون على كل بقاع الأندلس إلا عليها. في سنة «512ه/1118م» كانت قد سقطت مدينة سرقسطة. وفي سنة «524ه/1130م» سقطت مدينة تطيلة. وفي سنة «541ه/1147م» سقطت مدينة إشبونة، وفي سنة «542ه/1148م» سقطت مدن طرطوشة ولادة وأفراعة. وفي سنة «627ه/1229م» سقطت جزيرة ميورقة. وفي سنة «628ه/1230م» سقطت ماردة وبطليوس. وفي سنة «631ه/1233م» سقطت مدينة أبدة. وفي سنة «633ه/1236م» سقطت مدينة قرطبة. وفي سنة «634ه/1237م» سقطت بياسة وأستجة والمدور. وفي سنة «636ه/1238م» سقطت مدينة بلنسية. وفي سنة «638ه/1240م» سقطت شاطبة ودانية. وفي سنة «640ه/1242م» سقطت مدينة لقنت وأريولة وقرطاجنة. وفي سنة «641ه/1243م» سقطت مرسية. وفي سنة «644ه/1246م» سقطت مدينة جيان. وفي سنة «646ه/1248م» سقطت مدينة إشبيلية، ولم يأت منتصف القرن السابع للهجرة حتى أضحت مقاطعات الأندلس الشرقية والوسطى تحت يد النصارى، ولم يبق بيد بني الأحمر إلا بعض المدن الصغيرة.
ومن الأحداث الخطيرة التي جرت في هذه الحقبة زواج الملك فرديناند ملك الأرغون بالملكة إيزابيلا ملكة قشتالة في سنة 1469م؛ فقد اتفقا على توحيد مملكتيهما، وعلى القضاء على دولة بني نصر
3
التي تعاقب ملوكها الواحد والعشرون على العرش في فترات طويلة، ولكنها مضطربة، ومملوءة بكثير من الدسائس والفتن حتى سقطت المدن الإسلامية الواقعة تحت نفوذ بني نصر مدينة مدينة، ولم يبق إلا مدينة غرناطة، فحاصرها الملك فرديناند حصارا عنيفا، وقطع عنها الطعام حتى استسلمت في «ربيع الأول سنة 897ه/كانون الأول سنة 1491م»، وعقد الملك أبو عبد الله الصغير - آخر ملوكها - مع فرديناند معاهدة الاستسلام، على أن يسمح له بمغادرتها سالما، ويسكن في منطقة البشرات
Alpujarras
المرتفعة الواقعة جنوبي سلسلة جبال «سيرانيفادا»، وأن يمهله حتى يأخذ أهله وأمواله ورجاله، وتم له ما أراد، ولم تدخل جيوش فرديناند إلا في كانون الثاني سنة 1492م.
وهكذا طويت راية العروبة والإسلام في هاتيك الربوع الجميلة، واضطر الخليفة أبو عبد الله الصغير إلى أن يهاجر إلى مدينة فاس، فسكن فيها إلى أن مات سنة 940 (1533-1534).
صفحة غير معروفة