بينما كان صلاح الدين على أسوار عكا سنة 586ه جاءته الأخبار من بلاد الروم أن ملوك أوروبا قادمون لينجدوا الصليبيين في الشام ومعهم مائة ألف صليبي، فحزن الناس وكانت هذه الحملة مؤلفة من ثلاثة ملوك هم «فريدريك باربروس» ملك ألمانيا الذي غرق في الطريق، و«فيليب أوغست» ملك فرنسة، و«ريكاردوس» قلب الأسد ملك إنكلترا، وقد وصلت الحملة إلى عكا، بعد أن فتحت قبرص، فتلقتها جيوش المسلمين في عكا فردوهم عنها، ثم ساروا إلى يافا فأخلاها المسلمون ورأى السلطان تخريب عسقلان والرملة واللد، وسار إلى القدس، وراسله الصليبيون على الصلح، فلم يقبل ووقعت بين الجانبين معارك، ثم طلب ملك الإنكتار (الإنكليز) الصلح، فصالحه صلاح الدين بعد فشل المسلمين في الاستيلاء على عكا، وعقدت الهدنة بين الجانبين في البر والبحر لثلاث سنوات وثلاثة أشهر، على أن تستقر بيد الفرنج موانئ يافا وعكا وقيسارية وأرسوف وحيفا، وتظل عسقلان خرابا. واشترط السلطان دخول بلاد الإسماعيلية في الهدنة، واشترط الفرنج دخول أنطاكية وطرابلس في الهدنة، وأن تكون اللد والرملة مناصفة بينهما فتم ذلك. وكانت وفاة صلاح الدين بعد الهدنة بيسير، تغمده الله برحمته. (1-4) الحملة الرابعة
لما مات صلاح الدين واضطرب الأمر بين أولاده وابن أخيه الملك العادل، قوي الصليبيون وأخذوا يجمعون جموعهم لغزو المسلمين، ولكن ما عتم الملك العادل أن وضع يده على المملكة الأيوبية كلها، وتخلص من أولاد أخيه صلاح الدين، الأفضل، والظاهر، وتم له ملك الشام ومصر. وحدث في سنة 595ه أن تجمع الفرنجة في حصن الأكراد والمرقب وأغاروا على حماة. ثم في سنة 600ه خرجوا إلى بيت المقدس فهرع إليهم الملك العادل، واضطروا إلى مهادنته، وتم الصلح على أن يسلم إليهم مدن يافا والناصرة واللد والرملة. (1-5) الحملة الخامسة
وفي سنة 602ه/1204م قدم على سواحل عكا جمع عظيم من الصليبيين الألمان والنمساويين والمجر والهنكر فدخلوها، وانثالوا على المدن المجاورة والأيوبيون لاهون بالمشاكل بينهم، وقد غنم الصليبيون من المسلمين مغانم كثيرة، وكان في هذه الحملة كثير من الصليبيين الشبان المتحمسين من فرنسة وألمانية حتى سميت هذه الحملة بحملة الشبان. ولما مات الملك العادل في سنة 615ه ازداد البلاء على المسلمين وطمعت الفرنج فيهم، واستولوا على كثير من ديار الشام ومصر، ولما استولى الفرنج على دمياط واتجهوا نحو المنصورة عظم الأمر على بني أيوب وطلبوا إلى الفرنج الصلح على أن يتنازلوا لهم عن القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وجميع ما فتح صلاح الدين من الساحل، ما عدا الكرك والشوبك، فلم يرض الفرنج، وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار لقاء تخريب سور القدس وقالوا لا بد من تسليم الكرك والشوبك. فجمع الأيوبيون صفوفهم وعزموا على لقاء عدوهم، وتم لهم النصر على الفرنج وأسر ملكهم القديس وثلاثون ألفا من رجاله.
وقال ابن أبي شامة: «وبلغني أن النصارى ببعلبك سودوا وسخموا وجوه الصور في كنيستهم حزنا على ما جرى على الفرنج.» ولم يكن سبب تسليم القدس ثانية للصليبيين آتيا من ضعف القوى الإسلامية، بل للخلاف بين الملكين الكامل والمعظم؛ فقد كان الكامل يخشى إن توجه لمقاتلة الإمبراطور فريدريك قائد الحملة السادسة أن يفاجئه الملك المعظم؛ ففضل تسليم القدس إلى فريدريك، ولله في خلقه شئون. (1-6) الحملة السادسة
قاد هذه الحملة الإمبرور فريدريك الثاني صاحب صقلية سنة 1228م/624ه؛ فقد كان داهية سياسيا، لم يدخل في حرب، ولكنه فاوض الملك الكامل الأيوبي على استلام القدس وبيت لحم والناصرة، وهي المحلات المقدسة عند المسيحيين، فأجابه إلى ذلك لمدة عشر سنوات، على ألا يتعرضوا لقبة الصخرة ولا المسجد الأقصى، ويكون الحكم في الرساتيق المجاورة إلى والي المسلمين.
ولما بلغت هذه الأخبار إلى العالم الإسلامي قامت قيامة الناس على سوء تصرف الملك الكامل، وأقيمت المآتم، فحدقت قلوب أهل دمشق على الملك الكامل وفسد أمره من ذلك الحين، وساءت أمور الأيوبيين حتى استمد بعضهم بالفرنج ،
13
وظلت البلاد في اضطراب حتى الزحف المغولي.
ولما جاء هولاكو سنة 657ه قضى على الجميع، وظلت القدس بأيدي الصليبيين إلى أن استردها الملك الصالح أيوب في سنة 637-647ه بمساعدة الخوارزميين. (1-7) الحملة السابعة
في سنة 690ه/1270م عزم الملك القديس لويس التاسع، ملك فرنسة بعد أن خرج من الأسر وعاد إلى بلاده، على أن يسترجع بيت المقدس وينتقم لنفسه من المسلمين الذين أسروه في المنصورة، ولم يتخلص منهم إلا بمبلغ جسيم، فأخذ هو وأخوه يجمعان جموعهما لفتح تونس ومصر والشام واحتلال القدس، ولكن ذلك لم يتم؛ فقد مات في تونس بالطاعون سنة 1270م/690ه، وقضي على الحروب الصليبية. وهكذا انتهت هذه الحروب بعد أن دامت قرنين من سنة 491ه إلى سنة 690ه، وقد كان لها نتائج خطيرة نجمل بعضها بالنقاط الآتية: (1)
صفحة غير معروفة