مات محمد في سنة 511ه/1117م وكان قد عهد بالأمر بعده لابنه محمود، فثار عمه سنجر عليه ووقعت بين الجانبين معارك، انتهت بتصالحهما واقتسام أجزاء المملكة، ولم تكن سيطرتهم على بلاد الشام إلا سيطرة اسمية، فتمكن الصليبيون من انتزاعها من أيديهم، وكونوا فيها إمارات صليبية أربع في بيت المقدس، وأنطاكية، وطرابلس، والرها، ولم يبق بيد المسلمين سوى دمشق ومصر، أما آسيا الصغرى فقد انفصلت تماما، وتكونت فيها أسرة مستقلة، وكذلك حال الجزيرة وفارس وأذربيجان وديار بكر. (1-3) العهد الثالث
مات محمود سنة 525ه/1130م فانقسم السلاجقة ثلاثة أقسام؛ «الأول» على رأسه داود بن محمود الذي نودي به بعد أبيه. «الثاني» على رأسه الأخوان مسعود وسلجوق شاه ابنا ملكشاه. «الثالث» بقيادة طغرل بك بن محمود وعمه سنجر، وقد وقعت عدة معارك بين كل من الأقسام، إلى أن استقر مسعود على العرش سنة 532ه/1137م وهو آخر سلطان سلجوقي قوي، ولما مات سنة 547ه/1152م أخذت الأسرة السلجوقية في السقوط، فوجدها الخوارزميون لقمة سائغة للازدراد. (2) الدولة الخوارزمية
تنتسب هذه الدولة إلى القائد التركي «توشتكين» أحد رجال ملكشاه السلجوقي، وكان لتوشتكين هذا ولد اسمه قطب الدين محمد، وعرف بالإدارة والعلم والعقل، فعهد إليه بركياروق السلجوقي بإقليم خوارزم ولقبه خوارزمشاه، ولما أخذت الدولة السلجوقية في الانهيار بعد موت ملكشاه وتفرق رجالها، أخذ قطب الدين خوارزمشاه يطمع في الاستقلال بولايته وتوسيع رقعتها، ولكن لم يبدأ التوسيع الفعلي إلا في عهد ابنه أتسز بن خوارزمشاه حينما أعلن أتسز عصيانه على سنجر السلجوقي، فقدم هذا عليه في سنة 533ه وفرق شمله ووطد نفوذه في خوارزم وولى عليها غياث الدولة سلمان شاه ابن أخيه محمد. فأخذ أتسز يجمع جموعه وهاجم غياث الدين فأخرجه من خوارزم، ثم تحالف هو وملك بلاد الخطا على محاربة سنجر، فاستطاعوا أن يفتكوا بالجيش السنجري في سنة 536ه/1141م ويستولوا على بلاد ما وراء النهر،
3
وعلى مرو عاصمة سنجر، ثم تمكن سنجر من إخراجهم منها صلحا، ثم وقعت الحرب من جديد بينهم، ولم تقتصر الحرب بين السلجوقية والخوارزمية على السيف بل تعدتها إلى القلم، فكان لكل فريق شعراؤه وأدباؤه الذين يهاجمون الفريق الآخر ،
4
ثم رجحت كفة الخوارزمية على أيام «إيل أرسلان بن أتسز» الذي أخذ يفتك بالسلاجقة، ولما مات إيل أرسلان سنة 562ه/1172م تولى العرش ابنه سلطان شاه محمود، بمساعدة أمه التي أقصت ابن إيل أرسلان الأكبر وهو علاء الدين تكش، فسار علاء الدين وطرد أخاه، ووقعت بين الأخوين فتن انتهت باستقرار علاء الدين وسيطرته على المملكة وتوسيعها حتى بلغت أخباره مسامع الخليفة الناصر لدين الله العباسي، فأراد الاستعانة به على طرد ملك آخر سلجوقي في العراق وهو طغرل بك، وكانت هذه الفرصة مواتية لأغراض تكش، فجيش جيشا والتقى بالسلاجقة قرب الري في سنة 590ه/1193م وانتصر عليهم. وهكذا سيطر تكش على ملك سلاجقة العراق، ثم على همذان وأصفهان والري ورجع إلى خوارزم يوطد فيها أركان دولته، ويعمل على توسيعها، فحارب بلاد «الخطا» واستولى على إحدى مدنهم الكبرى، وهي بخارى سنة 594ه/1197م، وحارب الإسماعيلية وفتك بهم في سنة 593ه/1196م وسيطر على قلعتهم «الموت» عاصمتهم.
ولما مات في سنة 596ه/1199م وخلفه ابنه قطب الدين محمد الذي ترك لقبه، وتلقب بلقب أبيه علاء الدين، وسار على خطته في الغزو والفتح، على الرغم من تألب المجاورين عليه مثل شهاب الدين ملك الدولة الغورية، واستطاع في سنة 602ه/1205م أن يقطع مدينتي بلخ وهراة عن الدولة الغورية. وفي سنة 606ه/1209م سيطر على بلاد ما وراء النهر، وفي سنة 611ه/1214م سيطر على كرمان ومكران وسواحل المحيط الهندي والبلاد الواقعة غربي نهر السند. وفي سنة 612ه/1215م أحاط بغزنة عاصمة الدولة الغورية، فاضطر صاحبها «قتلغ تكين» أن يخطب وده ويضرب السكة باسمه. ومما هو جدير بالذكر أن علاء الدين قد عثر أثناء احتلاله لغزنة على رسائل كان الخليفة الناصر بعث بها إلى الغوريين لمعاونته على الفتك بالخوارزمية، فكانت هذه الرسائل سببا في سنة 614ه/1217م لبعض الحملات على بلاد الخليفة فسار يريد العراق، ولكنه لم يتمكن من إتمام حملته، لما بلغه من قيام الخطر المغولي، فرجع إلى عاصمته لاتخاذ الاحتياطات الضرورية.
ولما مات علاء الدين سنة 617ه تولى الأمر بعده ابنه جلال منكوبرتي، فاستمر إلى سنة 628ه حين حاربه التتر وقضوا على الدولة الخوارزمية. (3) دولة الأتابكية والشاهات
هي عدة دول زاحمت الدولة السلجوقية، وسميت بهذا الاسم لا لنسبتها إلى بيت واحد أو إلى أتابك
صفحة غير معروفة