ومنهم كشاجم الملقب بريحانة أهل الأدب في الموصل وحلب، ومنهم أبو فراس الحمداني ...
والحق أن سيف الدولة مدين في شهرته في التاريخ العربي أولا لمناصرته للعلم والأدب، ثم لجهاده في مناضلة الروم بعد أن أعيا قواد الإسلام أمرهم، وإن حلقة الأدب التي رعاها الأمير الحمداني الشاعر لتعيد إلى الذهن ذكرى الرشيد والمأمون. (3) الدولة الغزنوية (351-582ه/862-1186م)
ينسب تأسيس هذه الدولة إلى «ألب تكين» التركي أحد موالي السامانيين، الذين ارتفع شأنهم في الدولة السامانية، حتى صار أحد أفراد الحرس الملكي، ثم رئيسا لهذا الحرس، ثم نال إمرة خراسان سنة 350، ولكنه لم يلبث فيها طويلا لأن السلطان الساماني عزله عن ولاية خراسان، فصار إلى أطراف المملكة في الشرق، واستطاع أن يجمع جموعا من أفراد جيشه ويستولي على غزنة من حكامها الأصليين وجعلها سنة 351 نواة مملكته التي سنراها تسيطر على إقليمي أفغانستان وفارس والبنجاب حتى بشاور.
ولما مات آل تكين خلفه مولاه وصهره سبكتكين جد ملوك هذه الأسرة السادسة عشرة الذين حكموها بعده.
وقد أوجزنا في كلامنا على الدولة السامانية ذكر الدور الذي لعبه سبكتكين، وابنه محمود في وقف سيل الأتراك القرخانيين لما أرادوا الانسيال على الدولة السامانية.
وكيف أنهم استطاعوا منذ ذلك الحين أن يوطدوا أقدامهم في منطقة «جيحون» حتى «خراسان»، وإليك تفصيل ما أوجزناه هناك.
في سنة 366ه لمع اسم سبكتكين
18
ناصر الدولة (صاحب غزنة) لعقله ودينه ومروءته وإدارته وجهاده، فالتف الغزنويون والأتراك حوله، حتى استطاع أن يكون جيشا عظيما، غزا به بلاد الهند، فنشر فيها الإسلام بعد معارك وحروب كثيرة، وصفها ابن الأثير بقوله (في التاريخ 8: 227): «جرى بينه وبين الهنود حروب يشيب لها الوليد، وكشف بلادهم.» ثم سيطر على قصدار وبست في سجستان، وتوغل في فتوحاته في البنجاب، واضطر ملكها جيبال أن يتخلى له عن إقليم كابل المؤدية إلى سهول الهند، فتوغل فيها حتى لقب ببطل الإسلام وهازم الكفرة، إلى أن مات ابنه إسماعيل سنة 387ه ولم يكن حازما مدبرا كأبيه، فنازعه أخوه محمود وطلب إليه التخلي عن الرس فلم يقبل، ثم اضطره إلى التخلي فتم ذلك سنة 388ه، وتولى محمود عرش الدولة الغزنوية، وفي هذه السنة مات السلطان نوح الساماني وخلفه ابنه منصور فأصدر محمود إليه أمرا بلزوم التخلي له عن خراسان، ولكن منصورا خلع قبل أن يتم ذلك، وتولى أخوه عبد الملك، فانتحل محمود صفة الدفاع عن منصور، وتمكن من طرد عبد الملك الذي لجأ إلى بخارى، فقوي نفوذ محمود وكاتب الخليفة فاعترف بسلطانه ولقبه بيمين الدولة، وأذن له بنقش اسمه على السكة، وتوسعت مملكة يمين الدولة فشملت إقليم البنجاب ولاهور وملتان والعراق العجمي وخراسان وطخارستان وبلخ وما وراء النهر وسجستان، واتخذ محمود مدينة «غزنة» مقرا لمملكته، وغزا محمود بلاد الهند نحوا من سبع عشرة غزوة كان في أكثرها موفقا ناجحا، وسيطر محمود على ذخائر بلاد الهند وهياكل الهندوس، وحطم أصنامها وكان استيلاؤه على صنم سومنات سنة 416 في كجرات، وهو أعظم أصنام الهند. قال ابن الأثير (في تاريخه 9: 118-119): «وهذا الصنم كان أعظم أصنام الهند وهم يحجون إليه ... ويعطون سدنته كل مال جزيل، وله من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية، وقد اجتمع في البيت الذي هو فيه من نفيس الجوهر ما لا تحصى قيمته، وأما البيت الذي فيه «سومنات» فهو مبني على ست وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص، وكان بيت الصنم مظلما، وإنما الضوء الذي عنده من قناديل الجوهر الفائق، وكان عنده سلسلة ذهب فيها جرس وزنتها مائتا من.» وظل محمود يغزو ويتوغل في بلاد الهند حتى سنة 420ه، وفيها مرض وأقعده المرض عن الغزو إلى أن مات سنة 421ه. كان محمود عاقلا حازما فاضلا محبا للعلم وأهله، ألف له كثير من الكتب في فنون العلم، وقصده العلماء من أنحاء الممالك، ولم يكن له في سيرته شيء يعاب عليه سوى أخذه الأموال بكل طريق، وهو الذي جدد عمارة مشهد طوس، وكان أبوه خربه، ولما أدركته الوفاة أوصى بالملك بعده لابنه محمد جلال الدولة مع أنه أصغر من ابنه مسعود، وكان محمد ببلخ فكتب إليه أعيان الدولة يستدعونه إلى «غزنة» فقدمها، وأما أخوه مسعود فقد كان في أصفهان فلما بلغه خبر موت أبيه سار إلى خراسان، ولم تلبث الأمور أن فسدت بين الأخوين فتحاربا، وكان الفوز لمسعود، فاستولى على غزنة في سنة 422ه واجتمع له ملك «غزنة» و«خراسان» وبلاد «الهند» و«السند» و«سجستان» و«كرمان» و«الري» و«أصبهان» و«بلاد الجبل».
وفي سنة 432ه اختلف مسعود وأخوه محمد فاقتتلا وخلع مسعود واستولى محمد، ثم إن مودود بن مسعود ثار وقتل عمه محمدا، واستمر أمراء هذه الأسرة يتنازعون الملك بينهم حتى انقسمت دولتهم إلى إمارات وضاعت هيبة الغزنوية التي أوجدها سبكتكين وابنه محمود، فتسلط عليهم الأجانب، مثل خانات التركستان، وسلاجقة فارس، واستطاع الفوريون أصحاب أفغانستان أن يصوبوا للدولة ضربة مسددة، أتت عليها في سنة 582ه/1186م، ومات آخر الغزنويين، في لاهور.
صفحة غير معروفة