وهو الذي شرع في سنة 369ه بعمارة بغداد وكانت قد خربت بتوالي الفتن فيها، فعمر مساجدها وأسواقها وأدر الأموال على الأئمة والمؤذنين والعلماء والقراء والغرباء والضعفاء الذين يأوون إلى المساجد، وألزم أصحاب الأملاك الخربة بعمارتها وجدد ما دثر منها، وأطلق مكوس الحجاج، وأصلح الطريق من العراق إلى مكة، وأطلق الصلات لأهل البيوتات والشرف والضعفاء المجاورين بمكة والمدينة، وفعل مثل ذلك بمشهد «علي» و«الحسين» (عليهما السلام)، وأجرى الجرايات على الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والنحاة والشعراء والنسابين والأطباء والحساب والمهندسين، وأذن لوزيره نصر بن هارون النصراني في عمارة البيع والأديرة وإطلاق الأموال على فقرائهم.
7
وهو الذي بنى البيمارستان العضدي ببغداد في سنة 367ه/978م ووقف عليه مبلغ مائة ألف دينار، وكان يشرف على الطبابة فيه 24 طبيبا وكحالا، يعلمون الطب ويداوون الناس ويدرسون الفلسفة.
8
كما كانت له مساوئ، منها: أنه أحدث في أواخر أيامه رسوما ظالمة، منها رسوم بيع الدواب والأمتعة، وأنه منع من عمل الثلج والقز وجعل ذلك تجارة خاصة به، ومات عضد الدولة في شوال سنة 372ه ببغداد، وحمل إلى مشهد الإمام علي فدفن عنده. (1-5) صمصام الدولة وعقبه إلى انقراض الدولة
صمصام الدولة هو أبو كاليجار المرزبان ابن عضد الدولة، تولى الأمر بعد أبيه بإجماع القواد، وكان إخوته وبنو أعمامه متفرقين في الولايات، وهو في العراق، ولكنه لم يكن حازما مثل أبيه، فوقعت الفتنة بينه وبين إخوته وأبناء عمومته، فانتهز الأكراد، بقيادة شجاع دوستك، هذه الفرصة فاستولوا على الموصل، وحاولوا الاستيلاء على بغداد ولكنهم فشلوا، وتم الصلح بينهم وبين البويهيين، واستمر أمر صمصام الدولة في اضطراب حتى استطاع أخوه شرف الدولة أن يدخل بغداد ويقضي عليه في رمضان سنة 376ه.
استولى شرف الدولة على بغداد سنة 376ه فلم يطل عهده فيها؛ لأن جنوده من ترك وديلم، كانوا لا ينفكون متحاربين إلى أن مات في سنة 379.
ويجب ألا ننسى أن عهد شرف الدولة على الرغم من اضطرابه السياسي كان عهد علم؛ فقد رعى شرف الدولة ما كان ابتدأ به أبوه من تعضيد العلم وحب أهله والإحسان إليهم،
9
وقد اقتدى شرف الدولة بالمأمون في مساعدة العلماء على الترجمة والتأليف وإنشاء المرصد الكبير.
صفحة غير معروفة