الذي ألف كتبا فقهية للحركة، وأبو سعيد الجنابي، الذي عهد إليه بالإشراف على الحركة في إيران، وقد نجح أبو سعيد في نشر فكرته وخصوصا حين ضرب على وتر أن الله قد كسر العرب؛ لأنهم قتلوا الحسين، وأحب الأكاسرة لأنهم طالبوا بحقوق الحسين، ولما وفق في نشر الدعوة في إيران وجهه عبدان إلى منطقة أخرى لنشر الدعوة، فذهب إلى البحرين ونجح نجاحا كبيرا كما سنرى ذلك.
وقد كان حمدان عاقلا حصيفا منظما، فوضع الأسس المنظمة للدعوة، وبخاصة التراتيب المالية، وقد ابتدأ سنة 277ه بأخذ ضريبة قليلة أول الأمر، سماها «ضريبة الفطر» على الرجال والنساء والأطفال، ثم ثنى بوضع ضريبة سماها ضريبة «الهجرة» وهي دينار على كل بالغ لإنشاء «دار الهجرة» التي ابتناها بجوار الكوفة،
30
ثم ثلث بوضع ضريبة سماها ضريبة «البلغة» وقدرها سبعة دنانير يدفعها كل من أراد الاشتراك في عشاء المحبة.
وقد عظم عدد أتباعه، وكان أكثرهم من الأنباط، الفلاحين والصناع والبدو الأعراب، ولما قوي سلطانهم أخذ يبث فيهم روح الثورة على مخالفيهم في العقيدة وقتل من لا يقبلها، وقد أباح المحرمات لأتباعه وأسقط عنهم الفروض الشرعية، ودفع بهم إلى الانطلاق والثورة، واستطاع بالمبادئ الاشتراكية في المال أن يسيطر على قلوبهم. ولم تكن تلك الحركة حركة سلمية، بل كانت تدعو إلى الثورة وحمل السلاح في وجه الدولة، ويظهر أن أول حملة مسلحة قاموا بها كانت في سنة 284ه وقد أحست بغداد بخطورة الحركة وقوتها، فبعث الخليفة إليها من يقف في وجهها ولكنه لم ينجح؛ لأن بغداد نفسها كانت تحتوي عددا كبيرا من أنصار الحركة ومؤيديها.
31
وفي سنة 287 قاموا بحركة قوية مسلحة في جنبلا بين واسط والكوفة، ويذكر الطبري أنهم: قتلوا من المسلمين جمعا فيهم النساء والصبيان وأحرقوا المنازل،
32
وفي السنة نفسها هاجم الحنابي البصرة، فأرسل الخليفة المعتضد جيشا بقيادة العباس بن عمرو الغنوي فتغلب عليه الجنابي وأسره وفتك بجنده، ثم سار إلى هجر، وفي سنة 288ه ثاروا في الكوفة، وتمكن جيش الخليفة من أسر أحد رؤسائهم وهو المدعو بأبي الفوارس وقتله، وقد حفظ لنا ابن الأثير محاورة جرت بين أبي الفوارس هذا وبين الخليفة المعتضد، قال له المعتضد: هل تزعمون أن روح الله تعالى وأرواح أنبيائه تحل في أجسادكم، فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل؟ فقال للخليفة: يا هذا، إن حلت روح الله فينا فما يضرك، وإن حلت روح إبليس فما ينفعك، فلا تسأل عما لا يعنيك وسل عما يخصك. فقال له الخليفة: ما تقول فيما يخصني؟ قال: أقول إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
صفحة غير معروفة