وقد خلف للخزانة العربية آثارا جليلة في الطب منها كتاب «التيسير في المداواة والتدبير» الذي نقل إلى العبرية، ثم إلى لهجة البندقية العامية، ثم إلى اللاتينية في سنة 1280م وطبع مرارا، وكتاب «الكليات» في الطب، وأنجب عبد الملك بن زهر جماعة من الأطباء الفحول داموا ستة أجيال متواليات.
وكما أتقن المغاربة والأندلسيون هذه العلوم والآداب، أتقنوا فنون الهندسة والزخرفة والبناء والنسيج، وخلفوا قصورا رائعة في الحمراء وغرناطة ومراكش وفاس وتونس والقيروان.
وقد ظلت آثار هذه الحضارة في دول المغرب العربي من مراكش حتى برقة إلى أن جلا العرب عن الأندلس، فلما نزلوا المغرب العربي، وهاجر إليه من هاجر من العلماء والأدباء والفنانين والبنائين ازدادت جذور الحضارة عراقة في الشمال الإفريقي إلى أن وقع الاحتلال العثماني فالاحتلال الأوربي، وأخذت وطأة الاستعمار تفتك بالأهلين وتعمل فيهم يد التخريب والتجهيل.
الفصل الثامن
الحالة الإدارية في المغرب العربي
لما احتل العثمانيون المغرب العربي في القرن العاشر للهجرة، السادس عشر للميلاد، أضحت بلاد الجزائر محكومة من قبل «داي» وبلاد تونس محكومة من قبل «باي» وطرابلس الغرب محكومة من قبل «باشا»، يقومون بالحكم في بلادهم تحت النفوذ العثماني مع شيء من الاستقلال الإداري والمالي، وكانت الإدارة تسير في البلاد كلها من سيئ إلى أسوأ، وطمع الأجانب من فرنسيين وإسبانيين وبرتغاليين وإيطاليين في السيطرة عليها واحتلالها، وكان ما كان من احتلال جزء كبير منها على ما أطلعناك عليه في الكتاب الأول من هذا الكتاب.
ولما ضاق الناس ذرعا بالحكام الأجانب المحتلين وبأذنابهم من الحكام المحليين من بايات ودايات وباشات عزموا على الثورة على هذا النظام.
وكان أول هذه البلاد ثورة بلاد الجزائر؛ لأنها منيت بالاستعمار قبل الأقطار المجاورة الأخرى، وكان قائد هذه الثورة هو الفتى الشريف المرابط السيد عبد القادر بن محي الدين الحسني القرشي 1808-1883م، فإنه بعد أن حج وزار المشرق، وكان عمره وقتئذ لا يتجاوز الثانية والعشرين، ثم رجع إلى بلاده ورأى طغيان الفرنسيين، فأعلن الجهاد المقدس عليهم، وظل يحاربهم بلا هوادة حتى غدا اسمه في شمال أفريقيا «حامي الإسلام والعروبة ومنقذهما من براثن الاستعمار والنصرانية».
ثم تكاثرت عليه قوى الفرنسيين، واضطرته إلى الاستسلام بعد جهاد دام ستة عشر عاما 1831-1847م.
وما أن قضى الفرنسيون على عبد القادر حتى قامت ثورة السيدة لالا فاطمة سنة 1857م، ثم ثورة سي سليمان سنة 1864م.
صفحة غير معروفة