وهكذا تم الاتفاق بين الطرفين وعاد الوفد من مصر بعد أن أنعم عليهم السلطان بالهدايا والخلع، وكتب كتابا إلى ملك المغول بإقرار العقد، وأن العرب من آل مهنا قد كثر فسادهم في البلاد وأنهم خارجون عن طاعة السلطان المصري، فيجب على السلطان المغولي ألا يمكنهم من بلاده أيضا، ومما جاء في الجواب: «وإن العرب آل عيسى بن مهنا قد كثر فسادهم في البلاد وخرجوا عن طاعتي، وقد أخرجتهم من بلادي وأريد أنا أيضا ألا تمكنوهم من الدخول إلى بلادكم وتمنعوهم، وأنا أخرج عسكرا من عندي وأنتم أخرجوا عسكرا من عندكم، فنشيل سائر العرب.»
7
ويظهر أن الجانبين كانا يلاقيان ضروبا من الفتن بسبب هؤلاء الأعراب المنتشرين في بادية الشام، وعلى سيف الصحراء، وعلى الحدود الشامية العراقية، وقد مر بنا قبلا ما كان نصيبهم في الفتنة التي وقعت بين سلطاني مصر والعراق، ومما يلاحظ أيضا في عهد الصلح السابق أن الفداوية (الفدائية) كانوا يحتمون في مصر ويقومون بأعمال العنف المزعجة في الديار العراقية؛ ولذلك كان أول شرط شرطه أبو سعيد ملك المغول والأمير جوبان هو منع هؤلاء من الإقامة بأرض مصر، وأن يفرق شملهم، ويظهر أن المصريين كانوا قد شجعوا نفرا منهم لاغتيال بعض أمراء المغول أو قتل نفر من المماليك المصريين الذين لجئوا إلى العراق بعد حصول الفتنة بين سنقر وعز الدين الزردكاش وبلبان الدمشقي.
وقد استمرت مكاتبات الصلح هذه حتى سنة 723ه/1323م، فقد ذكر أبو الفداء أن في هذه السنة ذهبت رسل السلطان أبي سعيد ورسل نائبه الأمير جوبان وتوجهوا إلى سلطان مصر بالقاهرة ثم عادوا إلى بلادهم،
8
وهدأ العراقان وبلاد الشرق ومصر بعد فترة طويلة من الفوضى والاضطراب، وقد زار العراق في هذا الوقت الرحالة العربي ابن بطوطة، وكان السلطان أبو سعيد هناك، فوصفه وتحدث عن بعض مجالسه ولهوه وأحواله وأحوال صاحب دولة جوبان وأحوال ابنه دمشق خواجه، وكيف كانت نهاية جوبان وأولاده جميعا مما سنراه مفصلا بعد.
إن من المؤكد أن العراق وجميع البلاد الخاضعة لحكم المغول كانت في الربع الأول من هذا القرن تحت سيطرة جوبان وأولاده يتحكمون فيها كما يشاءون، وليس للسلطان أبي سعيد إلا الاسم والمظاهر السلطانية، وقد ضاق السلطان بهذا الأمر ذرعا فعمل على التخلص من دمشق خواجه فقتله، ثم أراد الفتك بأبيه فالتجأ إلى ملك هراة غياث الدين شاه فأكرمه أول الأمر ثم دبر قتله وبعث برأسه إلى أبي سعيد، وتفرقت بقية أولاده في البلاد، ثم ألقي القبض عليهم وقتلوا جميعا،
9
وقد تولى الوزارة بعده غياث الدين محمد بن الخواجة رشيد الدين، وكان رجلا عاقلا اعتمده السلطان فأحسن سياسة الأمور، وأبطل كثيرا من المكوس والضرائب الظالمة، وحسنت أحوال الناس في عهده، وقويت تجارة العراق مع البلاد المجاورة وخاصة الشام وإيران والروم، وكانت البلاد العراقية على حالة حسنة؛ لأن واليها علي باش كان على جانب من الكياسة والدين، وظلت أحوال البلاد حسنة طول عهد السلطان إلى أن فتك به داء الصرعة في ربيع الآخر سنة 736ه/1335م وله من العمر بضع وثلاثون سنة،
10
صفحة غير معروفة