أسباب الثورة
وفي يوليو سنة 1880 بارح السير ولسلي بلاد الترنسفال، وتوجه إلى لندرا، وترك بدلا منه السير لانيون، فتبعه وفد من البوير برئاسة كروجر لطلب الاستقلال، وبوصولهم إلى لندرا قابلوا المستر غلادستون، وكانوا يؤملون قضاء سؤلهم، ولكن بالنسبة لاشتغال البرلمان الإنكليزي بأمور أخرى أشد خطرا من مسألتهم عادوا كعودتهم السالفة، ولما علموا بأن لا فائدة في الصبر، وأن كل ما يسمعونه من المواعيد مجرد أقوال، اتفقوا على العصيان وشق عصا الطاعة، وصاروا ينتهزون سنوح الفرص لإشهار أمرهم. فلما جاء ميعاد جباية الأموال الأميرية جاهروا بالعصيان، فأرسل السير لانيون فرقة من الجند بقيادة الكولونيل تورنهيل، فكانت غير كافية لإخماد نار الثورة لاستفحالها، فأرسل السير لانيون إلى السير جورج كولي حاكم مستعمرة الرأس يطلب منه إرسال نجدة، فأجابه بعدم الاستغناء عن الجنود الموجودة عنده، فكان هذا التأخير فرصة حسنة لمقاصد البوير وسببا لجرأتهم على دوام العصيان، فانتشرت الثورة واشترك الكثيرون فيها، وأخذوا يهددون باقي البوير الموالين لإنكلترا وينسبون إليهم الخيانة إن لم ينضموا إليهم، فكانوا يتبعونهم خوفا منهم؛ ولذلك صار عددهم عظيما، فأرسلوا كذلك يستدعون رؤساء القبائل للأخذ بناصرهم، فأبوا إجابة طلبهم، وذهب نداؤهم صرخة في واد. ثم جعل الثائرون مركز حركاتهم مدينة ميدلبرج، فكتبوا إعلانا وبعثوه إلى الحكومة الإنكليزية، ومن ضمنه: «إننا لا نميل إلى الحرب وإهراق الدماء، فإذا اضطرمت نيرانها فأنتم المسئولون عن ذلك، فإذا لم تجيبوا طلباتنا لأننا حينئذ ندافع عن الوطن لننال بالقوة ما عجزنا عنه بالسلم. وأرسلوا إعلانهم هذا يوم 17 ديسمبر سنة 1880 الساعة العاشرة والنصف مساء إلى السير لانيون، وطلبوا منه الرد في مدة 48 ساعة.
واقعة بوتشستروم وبرنكرسبلنت
وفي 20 ديسمبر سنة 1880 أرسل السير لانيون إلى الثائرين ردا على إعلانهم يقول: «إني عرضت طلباتكم على حكومة جلالة الملكة، وها أنا منتظر الأمر، وعند صدوره أخبركم به.» ولعلمه بأن هذه الإجابة لا تقنع الثائرين أرسل أورطة للمحافظة على الطريق من ميدلبرج إلى بريتوريا، وفي يوم 16 ديسمبر؛ أي اليوم الذي كتب فيه الإعلان السالف ذكره، حصل قتال في بوتشستروم، فأرسل السير لانيون الكولونيل ونسلو والكابتن فولز وراف فتحصنوا جميعا في سراي المحكمة، وكانت حصونهم ضعيفة لا كالحصون التي اتخذها البوير، فصار الرصاص يتساقط عليهم بكثرة، وما مضت مدة قليلة حتى أصيب الكولونيل فولز، وذهب أول شهيد تلك الثورة، وقتل كثير منهم، فاضطروا إلى التسليم وسقطت مدينة بوتشستروم في أيدي الثائرين.
وبعد هذا الحادث أرسل السير لانيون إلى مستعمرة الناتال يطلب من الكولونيل بلرز إرسال أورطة إلى بريتوريا، فقامت هذه الأورطة في الحال بقيادة الكولونيل أنستروتر وتبعها قطار مشحون بالمئونة والذخيرة، ولما وصل الإنكليز نقطة اسمها برنكرسبلنت تبعد 38 ميلا عن بريتوريا، نظر الكولونيل عن بعد فرأى عددا عظيما من البوير يفوق عددهم، واقفين أمامه على الطريق من الجهة الشمالية، فلما صاروا على بعد نصف ميل منهم طلع عليهم رجل يحمل راية بيضاء وسلم إلى الكولونيل خطابا من الجنرال جوبير مكتوبا فيه:
لم يأتنا إلى الآن رد إعلاننا الذي أرسلناه للسير لانيون، ولم نعلم إذا كانت طلباتنا رفضت أو وقعت موقع القبول؛ ولذلك فإننا نحذركم من التقدم إلى الأمام أو القيام بأية حركة، بل يجب أن تقفوا في مكانكم حتى نعلم النتيجة، وإذا خالفتم نوقفكم بالقوة ولا نبالي.
الإمضاء
جوبير
فلما قرأ الكولونيل هذا الخطاب هاله ذلك التهديد، فكتب كتابا مختصرا وسلمه للرسول قال فيه:
إني أمرت بالتوجه إلى بريتوريا وإليها يجب أن أذهب.
صفحة غير معروفة