أما أراضي هذه البلاد فشديدة الخصب، تعطي إثمارها في حينه، ويمكن لزارعها أن يزرعها مرتين في السنة، وهي أحسن أرض في جنوب أفريقيا وأخصبها؛ وأكثرها يزرع حبوبا، وهي سريعة النمو، وفيها صنف من الحبوب أشبه شيء بالكزبرة، يزرع في شهر سبتمبر أو أكتوبر، ويحصد في شهر مارس، ويطحن ويصير كالبرغل. والجزء الشمالي منه مشهور بزراعة العنب، والدخان، وقصب السكر، والقطن. يوجد صنف من العشب يزرع في الحدائق، فيكسوها خضرة، ويختلف طوله من متر إلى مترين وعشرة سنتيمترات، ويستعملونه في تسقيف المنازل، فيضعونه فوق الأخشاب. وأما مقاطعة برتوريا فمشهورة بالفواكه، حتى إذا غرست الأشجار في شهر مارس، وتطعمت في شهر أكتوبر، تثمر في السنة الثانية من زمان غرسها.
وقد اشتهرت الترنسفال بكثرة معادنها، فإنها تلد المعدنين النفيسين؛ وهما الذهب والفضة، على ضفاف نهر الكاب وبالقرب من نهر التمساح، وفيها مناجم النحاس في ناحيتي واتربرج وزوتنسبرج. وكانت قبائل الكفرة القاطنة على شواطئ نهر لمبوبو تعرف النحاس من زمن بعيد، وكانوا يستنبطونه من مناجمه. وفي جهات ليدنبرج، وأوتربرج، وسوتنزبرج يكثر الحديد، وهو ظاهر على وجه الأرض. وفي مقاطعة ميدلبرج يوجد النيكل والكوبلت، وكثير من حجر الجرانيت. وفي مقاطعة إسكوتلندا الجديدة يوجد الفحم الحجري. وفي أقسام ميدلبرج وجبال دراكنسبرج، وبالقرب من بريتوريا توجد الأحجار التي يصنع منها الجير. وفي ليشتنبرج وسوتنسبرج توجد البرك والمستنقعات التي يستخرج منها الملح. وفي مقاطعات واكرستروم واترتش وزوتنسبرج غابات عظيمة، فيها أخشاب صفراء. وفي مقاطعة سوتنسبرج خشب الأبانوس والمهوجني، وباقي الأخشاب الثمينة، وأخشاب البناء، وأشجار يستخرج منها زيت القطران.
السكان
ينقسم سكان الترنسفال إلى أربعة أقسام؛ زنوج، ووتلندر وبوير، وأفريكندر.
أما الزنوج فهم أصحاب البلاد الأصليون، وهم عبارة عن قبائل من الجنس الأسود.
أما الويتلندر فهم الغرباء الذين استوطنوا تلك البلاد، والأفريكندر هم الهولنديون المولودون في أفريقيا. وأما البوير فإنهم أتوا بعد الأفريكندر وافتتحوا البلاد، وأخذوها من أصحابها، ونظموا إدارتها، وجعلوها لنفسهم وطنا عزيزا.
وقاطن في الجهة الشمالية من الترنسفال ثلاث قبائل عظيمة، وهي المكالاك والمتابيل والمتانيا، ويتصف رجال هذه القبائل بالقوة والشجاعة، فلا يهابون القتال، ولا يخافون الموت الزؤام، وفي الجهة الغربية أربع قبائل، وهي قبيلة الشيلي، وقبيلة البنجوكسي، وقبيلة البارالنج، وقبيلة الكورانا. وقد بلغ عدد سكان الترنسفال «1089156 نفسا» حسب إحصاء سنة 1898.
أشهر المدن
بريتوريا
وهي عاصمة الجمهورية ومركز إدارة الحكومة، وقد سميت بهذا الاسم نسبة لبرتوريوس قائد البوير الأول. ويبلغ طول بعض شوارع تلك المدينة ميلين، يظللها شجر اللبخ المزروع على الجانبين، أما منازلها ففي غاية العظم والفخامة؛ يفصل بينها مسافات طويلة، ويحيط بها البساتين الغناء، ويجري فيها الماء، وعلى ضفاف تلك المجاري أشجار السفرجل، والتفاح، وسائر أنواع الفواكه؛ مما يزيد في جمالها. وحين يرخي الليل سدوله عليها تلبس حلة الأنوار الكهربائية، فتتألق فيها، فتكون كعروس حسناء لبست حلاها، فازدادت بهجتها وتسامت قيمتها. وهواؤها في الشتاء منعش للأبدان، والرطوبة قليلة، وتشتد الحرارة في الصيف. ويبلغ عدد البيض فيها خمسة عشر ألف نفس، والسود عشرة آلاف نفس، والمدينة كافية لسكنى نصف مليون من البشر على الرحب والسعة. وفيها سوق كبير يسع جميع السكان القاطنين فيها. وفي كل صباح يغص بالعربات المغطاة بالقماش الأبيض تجرها الثيران، والراكبون عليها من الطبقة السفلى من السكان، يقصدون هذا السوق لقضاء حوائجهم. وفي وسطه بناء مرتفع مربع، تدل هيئته على قدمه مع حفظ رونقه الذي لم يقو طول الزمن عليه، وهو كنيسة هولندية بنيت يوم تأسست المدينة، ولها في عيون البوير منزلة رفيعة؛ لأنها من كنائسهم القديمة. وحول دائرة السوق المصالح العمومية والبنوكة، وسراي الحكومة، وهو بناء مرتفع مربع، يحتوي على ثلاث طبقات، وفي أعلاه قبة كبيرة نصب عليها تمثال الحرية قابضا بيده على راية الجمهورية، وهي بشكل الراية الهولندية تتميز عنها بلون أخضر.
صفحة غير معروفة