بديهي أن المؤلف لا يطرق موضوعا يعد من الذرى في حوادث التاريخ، بل يتناول ما يسميه الفرنسيون «التاريخ الصغير»؛ أي تاريخ التفاصيل التي تمت إلى الحوادث الخطيرة، ويساهم جلاؤها في توضيح الفكرة العامة التي تخلص من تلك الحوادث.
فجميع الموضوعات التي يدور عليها الكتاب تدخل في نطاق «التاريخ الصغير»: «اتصال العلماء المصريين بعلماء الحملة الفرنسية، وسيلة محمد علي في النقل عن الغرب، المدارس والبعثات في أوائل القرن التاسع عشر، العلوم والفنون التي شملتها حركة الترجمة، المترجمون السوريون، القواميس والمعاجم، الطبع والنشر ... إلخ»، على أن تداخل النواحي المختلفة التي ينظر منها المؤلف إلى موضوع كتابه ينطوي على ميزتين: (أ)
يهيئ للمؤلف التنويع في مواضع السرد والشرح مما ينفي عن القارئ الملل. (ب)
يهيئ للقارئ أن يرد كثيرا من الطرائف التي يأتيه بها المؤلف إلى عدة نواح معا مما يزيد هذه الطرائف معنى وقيمة. (3)
لولا التمازج بين هذه النواحي المتقاربة لكان الموضوع جافا قلما يثير شوق القارئ إلى الاستزادة من الإلمام به وتعمق جوانبه، وهو بهذا الانسجام موضوع شائق يروق الخيال ببحثه التاريخي وييسر الحساسية بمعناه الوطني، ويستهوي العقل بجانبه الأدبي والعلمي.
ذلك من حيث الموضوع في ذاته، أما التأليف فهو كامل الترتيب والوضوح.
للبحث كتابان ينقسم كل منهما إلى أبواب وفصول تقسيما منطقيا ظاهرا.
والمقدمات التي يمهد بها للكتابين ولبعض فصوله تركز الفكرة الآتي شرحها، وهذا وكل فصل مسبوق بخلاصة تنبئك عما يدور عليه.
ويعجبك بخاصة: (1)
دقة البحث؛ يرد كل حكم إلى مصدره، ويؤيد كل رأي بأسانيد، شأن المؤرخ المحقق الأمين. (2)
صفحة غير معروفة