36
لتدريس مادتي الكيمياء والطبيعة.
وكانت الصعوبة الكبرى التي اعترضت سبيل كلوت بك كما سبق أن ذكرنا هي جهل الأساتذة باللغة العربية وجهل التلاميذ باللغات الأوروبية عامة، وقد عرفنا كيف تغلب على هذه الصعوبة باستخدام مترجمين للنقل عن الأساتذة ولترجمة الكتب.
غير أن أستاذا واحدا استطاع - كما يبدو - أن يذلل هذه العقبة وحده؛ فاستعان ببعض الألفاظ العربية - ولا شك - عند شرح دروسه، ثم استعان أول الأمر بأحد مترجمي المدرسة من السوريين - وهو يوحنا عنحوري - ليترجم له محاضراته في علم الطبيعة بعد سنوات قضاها في الدرس والبحث والاتصال ببعض المحررين والمصححين من شيوخ الأزهر، والتتلمذ عليهم استطاع أن يترجم بنفسه محاضراته في الكيمياء.
ذلك الأستاذ المستشرق هو الطبيب الكيماوي الدكتور «برون»، وهو الوحيد من بين جميع الأساتذة الأجانب في مدارس محمد علي المختلفة الذي كان يعرف اللغة العربية ويعنى بالبحث في كتبها، والترجمة عنها وإليها.
كان «برون» عالما بحاثة بكل ما تحمل هاتان الكلمتان من معنى؛ فلم يكتف بعمله التعليمي الوظيفي فيغمض عينيه عن الحياة التي تحيط به، وهي حياة جديدة في بلد غريب، وبين أناس يختلفون عن عشيرته من الفرنسيين الاختلاف كله في الدين والأخلاق والعادات والملابس والثقافة ... إلخ ... إلخ، ولكنه وهب وقته كله للبحث العلمي ولنوع خاص من البحث العلمي هو الحياة الثقافية قديما وحديثا في الشرق عامة وفي مصر خاصة، فشارك في حركة الترجمة والنشر التي نشطت وقتذاك في مصر، وكانت له جهود جليلة في الترجمة عن العربية إلى الفرنسية، وعن الفرنسية إلى العربية، وكانت له نظرات ناقدة نافذة - رغم مرارتها - إلى صميم الحياتين الثقافية والسياسية في مصر حينذاك، ولهذه النظرات قيمة عظيمة جدا؛ لأنها صادرة عن أجنبي يدرك العيب الذي لا يدركه صاحب البيت، وعن عالم يستطيع التحليل والمقارنة، ويجيد الشرح والوصف، وإدراك الأسباب والمسببات.
وقد سجل «برون» هذه الملاحظات في خطاباته التي كان يرسلها أثناء مقامه في مصر إلى صديقه المستشرق الشهير
Jules Mohl
ناموس الجمعية الآسيوية وعضو المجمع الفرنسي
L’Institut de France
صفحة غير معروفة