وتاريخ الأمة الحقيقي إنما هو تاريخ تمدنها وحضارتها، لا تاريخ حروبها وفتوحها، وخصوصا على ما تعوده مؤرخو العرب في تاريخ الإسلام، فإنهم يسردون الوقائع على علاتها، وقلما يشيرون إلى الأسباب التي تربط تلك الوقائع بعضها ببعض بحيث يرتاح العقل إلى تعليلها والنظر فيها وترسخ في ذهنه حقيقة تلك الأمة، على أننا نظنهم معذورين في ذلك باعتبار ما كانت تدعوهم إليه الحال من تجنب الخوض في أسباب تلك الوقائع، وأكثرها لا ينجو الباحث فيه من الانتصار لأحد الجانبين وهم يتجنبون ذلك، ولعل لهم عذرا آخر.
أما الآن فليس هناك ما يمنعنا من الخوض في هذا العباب، وقد حاول غير واحد من المستشرقين - من الإفرنج وغيرهم - استطلاع كنه ذلك التمدن، فلم يجدوا في كتب القوم ما يشفي غليلا، لتشتت تلك الحقائق وتبعثرها، ولذلك لما نشرنا في العام الماضي عن عزمنا على تأليف هذا الكتاب، كتب إلينا جماعة من هؤلاء الأفاضل يستغربون إقدامنا على ركوب هذا المركب الخشن.
والحق يقال إننا أعلنا هذا العزم ونحن لا نتوقع العثور على ما يزيد على صفحات تتمة السنة العاشرة من مجلة «الهلال» (160 صفحة) فشمرنا عن ساعد الجد وبذلنا جهد المستطاع في مطالعة ما كتبه العرب في الأدب والتاريخ والسياسة وسائر العلوم فيما وفقنا إليه من الكتب المطبوعة والمخطوطة ...
ومن أمثلة ما قرأناه من كتب التاريخ والفتوح والتقاويم مؤلفات البلاذري والمسعودي وابن الأثير وابن خلكان وأبي الفدا وابن خلدون وابن طاطبا والسيوطي والمقري من المؤرخين، وابن خرداذبة والأصطخري وياقوت الحموي من الجغرافيين، ومن كتب الأدب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والكشكول، والمستطرف، للإبشيهي، وسراج الملوك للطرطوشي، وغيرها، ومن كتب التفسير والحديث والفقه تفسير الرازي والزمخشري وصحيح البخاري ومشكاة المصابيح والهداية وغيرها.
ومن كتب السياسة والإدارة كتاب الخراج لأبي يوسف، وكتاب الخراج وصنعة الكتابة لقدامة بن جعفر، والأحكام السلطانية للماوردي والعقد الفريد للملك السعيد، ومقدمة ابن خلدون، وغير ذلك من الكتب في موضوعات أخرى لا يخطر للمطالع أنها تفيد في هذا الموضوع، وقد عثرنا فيها على فوائد جمة، مثل حياة الحيوان للدميري، وعجائب المخلوقات للقزويني، وغيرهما، فضلا عن المعاجم والفهارس مثل كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، وكتاب كشف الظنون لحاجي خليفة، وكليات أبي البقاء، وغيرها، وكل ذلك في اللغة العربية ...
ثم طالعنا ما يستطاع الوصول إليه مما ألفه الإفرنج في الإسلام وتاريخه وآدابه في اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية، مثل كتاب جستاف لوبون الفرنسي في تمدن العرب
2
وكتاب ليبو في تاريخ الدولة الرومانية الشرقية المعروفة بالبيزنطية
3
ومقالات في المجلة الآسيوية الفرنسية،
صفحة غير معروفة