ومما يدل على شدة تأثير ذلك الهجوم في نفوسهم أنهم جعلوا يؤرخون به وهو ما يسمونه عام الفيل، وكانوا قبل ذلك يؤرخون بموت الوليد بن المغيرة من مخزوم، أو هشام بن المغيرة،
7
ولم يقتصر تأثير ذلك الاحتكاك على تلك النهضة الأدبية أو الدينية، لكنها أنتجت رجالا نبغوا في السياسة والقيادة والإدارة وكانوا من أهم العوامل تأثيرا في سرعة انتشار الإسلام، كما أنتجت الثورة الفرنسية بونابرت ورجاله.
ومهما يكن من السبب فإن بلاد العرب كانت قبل الإسلام في نهضة أدبية دينية تمهيدا لقبول الدعوة الإسلامية والقيام بنصرتها، ومثل هذه النهضة تتقدم الدعوات الدينية في الغالب، استعدادا لقبولها.
الدولة الإسلامية ... كيف نشأت؟
فرغنا من المقدمات التمهيدية في حال بلاد العرب قبل الإسلام، فنتقدم بعد ذلك إلى الكلام في نشوء الدولة الإسلامية وكيف تكونت وتطورت، حتى صارت على ما عرفناه منها في أوج التمدن الإسلامي. (1) الدعوة الإسلامية (1-1) نشأة النبي الأولى
تلك كانت حالة العرب في الحجاز لما ظهر النبي صاحب الشريعة الإسلامية ودعا الناس إلى التوحيد وأظهر دعوته سنة 609 للميلاد وعمره أربعون سنة، ولا يتسع المقام لتفصيل سيرته، وإنما نذكر هنا ما يتعلق بالموضوع لبيان الأسباب التي رافقت ظهور الدعوة وساعدت على انتشارها.
ولد صاحب الدعوة الإسلامية وقد مات أبوه، وبعد ست سنوات ماتت أمه فكفله جده عبد المطلب، وكانت له السقاية والرفادة من مناصب الكعبة وكان له مقام رفيع في قريش، لكنه توفي بعد سنتين، فكفله عمه أبو طالب وكان وجيها محترما، فشب محمد في بيته كأحد أولاده، وكان أبو طالب صاحب تجارة مثل سائر قريش، فكان إذا خرج في تجارة اصطحبه في أسفاره، فاشتهر منذ حداثته بالحصافة والذكاء وصدق السريرة حتى لقبوه بالأمين واشتهر في مكة بهذا اللقب، فعرفت بأمره خديجة بنت خويلد وكانت ذات ثروة وتجارة فعهدت إليه في الاتجار بمالها فاتجر وربح فازدادت إعجابا به، فعرضت عليه الزواج بها فتزوجها فاتسعت حالة وأصبح من أهل الرخاء واليسار والكل يحبونه ويحترمونه. (1-2) الدعوة
ولما بلغ الأربعين من عمره مال إلى الخلوة والاعتزال عن الناس فأوى إلى الجبال والشعاب كما يفعل النساك، وأول ما ابتدئ به «الرؤيا الصالحة»، وفي رمضان من تلك السنة (يناير 611 ميلادية) كان معتزلا بنفسه في غار حراء بجبل النور على ثلاثة أميال من مكة،
1
صفحة غير معروفة