وتعالى قد أراحنا ففضلنا القناعة بالكفاف وقضينا الأيام فى سعة وراحة وطمأنينة ، لا يوجد عاشق ولا حاسد ، ولا منازع ، ولا رقيب ، واقف على أسرار الولاية ، لا طمع لخلق فينا ، ولا حاجة بنا لأحد ، فكانت الدور والمزارع والمصائد داخل نطاق الخندق ، وأقام على كل فرسخين رئيس وأمير وعمدة مقتدى ومطاع ، فجاز هذا الملك ، والحاكم دام توفيقه وعزه ، فأطلع جميع الغرباء والأجانب علينا وعلى أسرار ولايتنا ، وهتك أسرارنا وأحوالنا ، ولفت أنظار الخصوم والمنازعين إلينا ، ولما لم يعد ممكنا حجب أى وضع فى هذه الولاية عن مخلوق قط ، واليوم وقد أتى إلينا الناس من كل صوب يتخذون مقاما لهم عندنا وعلى الفور دخلوا معنا فى صراع وخلاف وخصومة ويضيقون علينا هذه الديار ، ويشردون أولادنا وأعقابنا ، فعلم الحاضرون وقائد القواد أن ما يقوله حق وصدق ، وصدقة الإصفهبد وقال : أما وقد وصل الأمر إلى هذه الحال فما الحيلة بعد هذا؟ قال (شهر خواستان) قضى الأمر ولا مدفع له اليوم ، لو كنت قد تشاورت من قبل لكنت قد أرشدتك على الطريق وأبديت الرأى لك إن شاء الله بالسداد فما الملك إلا إصلاح وفير وقد جرى قبل هذا الحديث عن" فيروز شاه" وآمل وعن صلاح وعفاف نساء طبرستان وديانتهن وأمانتهن وحسنهن وطهارتهن وقد كتب" عبد الرحمن بن حرزاد" : فى كتاب" مسالك الممالك" أن الحكماء اجتمع رأيهم على أن أفضل أماكن النزهة والمتعة فى طبرستان وسمرقند وقد وصف" حصين معين بن المنذر الرقاشى" سمرقند لبعض الخلفاء فقال كأنها السماء فى الخضرة ونهره المجرة للاعتناق وسورها الشمس للأطباق وسئل" أنوشروان بزرجمهر" عن" طبرستان" فقال هى طرب وبستان كاسمها وقال" عبد الله بن قتيبة" : يجب أن يقال لها تبرستان حيث هى مزينة بالتبر ، سهلية جبلية بحرية غياضة ، فجبالها لملوكها منعة ووزرة وغياضها لأهلها خزانة ونهرها لهم متجر ومصيد وسهلها الجنان يسير المسافر على بسط من الخضر ، منمنمة موشاة بأنوار الربيع طيب البنفسج وعيون النرجس ، وطرائق تلك الأنوار تحت ظلال الأشجار على أغصانها عساكر الطير ، لكل طير منها لون من اللباس مونق وصنف من الصغير مطرب يقصر دونه كل عزف ومزمار ، متدليات الأعناب والأثمار مطردات الأنهار تذكرك من الآخرة الجنان وتجلى لك جنتى سبأ قبل الكفران وقال" أبو الحسن اليزدادى" : التقيت بشيخ رحالة من أهل خراسان له من العمر مائة عام كان يقول طفت بالأقاليم السبعة وأسود العمر بسياحى ولم أجد ولاية فى الراحة والأمن وطيب العيش والصفات مثل" طبرستان" وإن يقل شخص غير ذلك عن مكان آخر فإنه لا يقوله عن تبصر أو بصيرة وهو مزيف :
صفحة ٩١