فلما نزلت غسان في جوار سليح بن حلوان ضربوا عليهم الأتاوة وكان الذي يلي جبايتها سبيط بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن ضجغم إبن حماطة. فقصد سبيط ثعلبة بن عمرو لأخذ الأتاوة منه فإستنظره فقال: لتعجلن لي الأتاوة أو لآخذن أهلك، وكان ثعلبة حليما فقال هل لك فيمن يزيح علتك في الأتاوة؟ فقال: نعم، قال: عليك بأخي جذع بن عمرو. وكان جذع فاتكا فأتاه سبيط فخاطبه بما كان خاطب به ثعلبة؛ فخرج عليه ومعه سيف مذهب وقال: فيه عوض من حقك إلى أن أجمع لك الأتاوة؟ قال: نعم. قال خذه! فتناول سبيط جفن السيف وإستل جذع نصله وضربه به حتى برد. فقيل: خذ من جذع ما أعطاك. فذهبت مثلا. ووقعت الحرب بين سليح وغسان، غسان سليحا من الشام، وصاروا ملوكها، وهو أعلم بالحقائق.
جفنة بن عمرو:
فأول ملك ملك من غسان جفنة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن إمرى ء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد بن الغوث. وتزعم الأزد إن عمرا إنما سمي مزيقيا لأنه يمزق كل يوم من سني ملكه حلتين لئلا يلبسهما غيره فسمي هو مزيقيا، وسمي ولده المزاقية فهذا قول؛ وقيل: إنما سمي مزيقيا لأن الأزد تمزقت على عهده كل ممزق عند هربهم من سيل العرم؛ فاتخذت العرب إفتراق الأزد عن أرض سبأ بسيل العرم فقالوا: ذهبت بنو فلان آيادي سبأ. وذكروا أن سيل العرم كان قبل دولة الإسلام بأربع ماية سنة.
وإن عامرا إنما سمي ماء السماء لأنه أصابت الأزد مخمصة فمانهم حتى مطروا فقالوا: عامر لنا بدل من ماء السماء. وكان الذي ملكه على عرب الشام ملكا من ملوك الروم يقال له نسطورس. فلما ملك جفنة قتل ملوك قضاعة من سليح الذين كانوا يدعون الضجاعمة، ودانت له قضاعة ومن بالشام من الروم، وبنى جلق والقرية وعدة مصانع ثم هلك، وكان ملكه خمسا وأربعين سنة وثلاثة أشهر.
عمرو بن جفنة:
ثم ملك بعده عمرو بن جفنة خمس سنين وبنى الأديار: دير حالى، ودير أيوب، ودير هناد.
صفحة ٩٠