والكبيسة في زماننا هذا مستعملة في سني الاسكندرانيين من اليونانيين، وفي سني عرب الاسلام المسماة المعتضدية، وفي سني الإسرائيليين فحسب. وقد كانت للفرس كبيسة دامت لهم من أول الدهر إلى أن تصرم أيام ملكهم بالعرب، كما كان لعرب الجاهلية كبيسة تسمى النسى، فنسخه الإسلام، فغبرت سنو الفرس غير مكبسة مايتين واحدى وثمانين سنة إلى أن وضع المعتضد في اثنتين وثمانين ومايتين كبيسة، فاعتدلت بها، وعلى سني المعتضد معول أهل العراق. والذي يلجي ء الأمم إلى استعمال الكبيسة في سنيها هو أن كون الأيام والليالي إنما هو بحركة الشمس في وقت طلوعها في يوم من أيام الدهر إلى وقت طلوعها في اليوم التالي له. والشمس إذا رجعت من أماكن الفلك سائرة من المغرب إلى المشرق، فانها تعود إلى ذلك المكان في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم. فيصير هذا الربع في كل أربع سنين يوما واحدا، يجب أن يزاد على عدد أيام السنين الأربع. فهذا الربع هو الذي يضطر الأمم إلى أن يكبسوا سنيهم.
وأما لفظ التاريخ فمحدث في لغة العرب لأنه معرب من ماه روز. وبذلك جاءت الرواية، فروى فرات بن سلمان عن ميمون بن مهران أنه رفع إلى عمر بن الخطاب صك محله في شعبان فقال: أي شعبان؟ هذا هو الذي نحن فيه أم الذي هو آت؟ ثم جمع وجوه الصحابة وقال: إن الأموال قد كثرت وما قسمنا منها غير موقت، فكيف التوصل إلى ما نضبط به ذلك؟ فقالوا: يجب أن يتعرف ذلك من رسوم الفرس. فبعد ذلك استحضر الهرمزان وسأله عن ذلك فقال: إن لنا حسابا نسميه ماه روز، ومعناه حساب الشهور والأيام. فعربوا الكلمة فقالوا: مؤرخ. ثم جعلوا مصدره التاريخ واستعملوه. ثم طلبوا وقتا يجعلونه أصلا لتاريخ دولة الإسلام فاختلفوا، ثم اجتمعوا على أن يكون مبدأ سنيهم من سنة الهجرة، فهذا منتهى صدر الكتاب ومبتدأ سياقة الأبواب.
صفحة ٨