وأنا أقتص من أقاويل هذه الفرق جملا تغني عن التفصيل، ثم أتبع ذلك بالأبواب المجردة للتاريخ، فأحكيها تقليدا لرواتها فأقول: إن الناس على وجه الدهر إنما عرفوا الشهور في عنفوان الزمان، من كثرة ما رفعوا رؤوسهم للأهلة، وعرفوا السنين من اختلاف فصول الزمان الاربعة عليهم، بتنقل الشمس في أرباع الفلك ودورانها عليهم مرة بعد مرة. ثم لتطاول الأيام وتكاثرها وصعوبة الأمر عليهم في ضبطها قيدوا السنين بالتواريخ، وجميع من على وجه الأرض من الأمم أخذوا تواريخ من مسير النيرين، يعني الشمس والقمر فالآخذون بسير الشمس خمس أمم، والآخذون بسير القمر خمس أمم. فأما الآخذون بسير الشمس فهم: اليونانيون والسريانيون والقبط والروم والفرس، وأما الآخذون بسير القمر فهم: الهند والعرب واليهود والنصارى والمسلمون.
وهؤلاء الأمم كلهم كانوا في قديم الدهر- قبل ظهور الشرائع الدينية- صنفا واحدا، مسمين باسمين: سمينيين وكلدانيين.- فالسمينيون كانوا سكان جانب المشرق، وبقاياهم الساعة بأطراف الهند وأرض الصين، وأهل خراسان يسمونهم الساعة شمنان، ويسمى الواحد منهم شمن. والكلدانيون كانوا سكان جانب المغرب،- وبقاياهم الساعة بمدينتي حران والرها، وقد أسقطوا عن أنفسهم هذا الاسم منذ أيام المأمون، وتسموا بالصابئين لأمر يطول شرحه، ولهم ذكر في التوراة واسمهم بالسريانية كلداي، واسم الواحد منهم كلدايا وهؤلاء الأمم العشر سنوهم كلهم ناقصة عن سني مسير الشمس الذي به يكون الليل والنهار. فسنوهم كلهم بنقصانها عن مسير الشمس لدور من أدوارها محتاجة الى الكبيسة، لكي تعدل فصول الزمان الاربعة. فيكون مبدأ كل فصل لكل زمان بالغا ما بلغ في يوم بعينه من أيام الدهر، يكون المرجع إليه في متأنف السنين.
صفحة ٧