وكانت الوزارة تحت رياسة محمد رشدي باشا، فاستعفى وتولاها مدحت باشا، فشكل مجلسا عاليا تألف من الوزراء والمشيرين والرؤساء الروحيين والأعيان من مسلمين ونصارى ويهود، وعرض عليهم لائحة المؤتمر، وأفهمهم طلبات الدول التي بها استقلال الأمم البلقانية، وأن مرادها يؤدي إلى الحرب، فاجتمعت كلمتهم على رفض تلك الطلبات؛ لأن قبولها فيه إهانة عظمى لشرف الأمة، حتى إن الروم عزموا على تشكيل فرقة متطوعة لمحاربة الصرب مع عساكر الدولة.
فبناء على ذلك أجاب الباب العالي في 20 كانون الثاني سنة 1877 برد طلبات الدول، ورفض المؤتمر الدولي، إشارة لقطع العلائق بين أوروبا والباب العالي.
ثم حاول السلطان في اجتماع «مجلس المبعوثان» حتى ضاق صدر مدحت باشا، وكتب إليه رأسا ما يأتي:
لم يكن غرضنا من إعلان القانون الأساسي إلا قطع دابر الاستبداد، وتعيين ما لجلالتكم من الحقوق وما عليها من الواجبات، وتعيين وظائف الوكلاء، وتأمين جميع الناس على حريتهم وحقوقهم حتى تنهض البلاد إلى معارج الارتقاء، وإني أطيع أوامركم إذا لم تكن مخالفة لمنافع الأمة ...
ونحو ذلك من هذا القبيل، فغضب السلطان من هذه الجرأة، وعزل مدحت باشا ونفي على الباخرة «عز الدين» إلى إيطاليا، ووجهت الصدارة إلى أدهم باشا.
وبعد خروج السفراء من الآستانة بعث البرنس غورجاكوف، ناظر خارجية روسيا، إلى الدول منشورا في 31 يناير سنة 1877، طلب فيه مداخلتها جمعاء في إجراء الإصلاحات بالممالك العثمانية، وإلا اضطر القيصر وحده إلى اتخاذ التدابير الفعالة، وأرسل الجنرال أغناتيف إلى عواصم أوروبا ليقنع الدول بأن الباب العالي بدأ بالإخلال في معاهدة باريس.
فلما رأى السلطان إصرار أوروبا على إصلاح الروم إيلي، أصدر إرادته في انتخاب «المبعوثان»، ونفاذ أحكام القانون الأساسي، وافتتح المجلس في 4 ربيع الأول سنة 1294، الموافق 19 مارس سنة 1877 في سراي «طولمه بغجة» بمحلة بشكطاش، بحضرة السلطان، بالنطق الآتي:
أيها الأعيان والمبعوثان:
إنني أبدي الامتنان بافتتاح المجلس العمومي الذي اجتمع المرة الأولى في دولتنا العلية، وجميعكم تعلمون أن ترقي شوكة واقتدار الدول والملل إنما هو قائم بواسطة العدالة، حتى إن ما انتشر في العالم من قوة دولتنا العلية، وقدرتها في أوائل ظهورها، كان من مراعاة العدل في أمر الحكومة، ومراعاة حق ومنفعة كل صنف من صنوف التبعة. وقد عرف الناس أجمع تلك المساعدات التي أبداها أحد أجدادنا العظام المرحوم محمد خان الفاتح في مطلب حرية الدين والمذهب. وكافة أسلافنا العظام أيضا قد سلكوا على هذا الأثر، فلم يقع في هذا المطلب خلل بوقت من الأوقات، وغير منكر أن المحافظة منذ ستمائة عام على صنوف تبعتنا وملتهم ومذاهبهم كانت النتيجة الطبيعية لهذه القضية العادلة. والحاصل بينما كانت ثروة الدولة والملة وسعادتها صاعدتين في درج الترقي في تلك الأعصار والأزمان بظل حماية العدالة ووقاية القوانين، أخذتا بالانحطاط تدريجا؛ بسبب قلة الانقياد للشرع الشريف وللقوانين الموضوعة، وتبدلت تلك القوة بالضعف ... إلخ.
وقد تعين أحمد وفيق رئيسا ل «مجلس المبعوثان»، وانعقدت الجلسة الأولى تحت رئاسته، فدارت فيها المذاكرة على وضع العريضة الواجب تقديمها جوابا على النطق الشاهاني، ثم حدث أن مرخصي الدول الست الذين تألف منهم مؤتمر الآستانة اجتمعوا في لوندرا، فوقعوا في 31 مارس سنة 1877 على مضبطة بدون أن يكون معهم مرخص الدولة، طلبوا فيها من الباب العالي التخلي عن عشرين ناحية من أملاك الدولة إلى إمارة الجبل الأسود؛ بحجة أن لغتهم سلافية، فحضر ناظر الخارجية إلى «مجلس المبعوثان» وقرأ عليهم نص تلك المضبطة، مبينا لهم أحوال السياسة الخارجية، وأفهمهم بأن رفض التسليم بما جاء في تلك المضبطة يؤدي إلى الحرب مع روسيا.
صفحة غير معروفة