يوما مشهودا حضره إليه الأهالي من أقاصي الجزيرة، ومما جعل لهذه الإرسالية أهمية عظمى أن الحكومة لم تشترك فيها مطلقا، بل كانت مضادة لها اتباعا لرأي القائد المسوف فابيوس.
ولم تعترض سفن قرطاجة سيبيون وسفنه أثناء اجتيازهم البحر بين صقلية وتونس، بل سار بأمان إلى أن ألقت السفن مراسيها بمحل يعرف الآن باسم (Beau
، وأنزل عساكره إلى البر فانضم إليه في الحال مسنيسا ملك نوميديا السابق ذكر تعدي سيفاكس عليه واغتصابه الملك منه بمساعدة ازدروبال القرطاجي، وقضى سيبيون ما بقي من سنة 204 بدون أن يأتي عملا يذكر سوى تحصين معسكره، واتخاذه الاحتياط اللازم لصد كل عدو مفاجئ.
وفي السنة التالية جمع له القرطاجيون جيشا يزيد عن خمسين ألف مقاتل تحت قيادة ازدروبال وبمساعدة سيفاكس، فتظاهر سيبيون بالميل إلى الصلح حقنا للدماء البريئة وأرسل بعض ضباطه إلى معسكر الأعداء بحجة المخابرة في الصلح وشروطه، وكانت مأموريتهم الحقيقية زيارة معسكر الأعداء واستكشاف أحوالهم.
ولما علم سيبيون بهذه الطريقة أن المعسكر مركب من أكواخ صغيرة من القش والبوص عمد إلى حرقه بالنار ليلا، فحرق ودمرت ميرة الأعداء وما معهم من المؤن، وهلك كثير من جنودهم وتفرق الباقون إلى جميع الجهات، وبذلك انتصر عليهم نصرا مبينا بدون أن يعرض حياة نفر من رجاله إلى الموت وانتصر عليهم مرة ثانية في موقعة منتظمة.
ثم أرسل مسنيسا مع أحد القواد الرومانيين لاقتفاء أثر سيفاكس والقبض عليه حيا أو ميتا، فطاردوه في الجبال والسهول وانضم إليهم كثير من أهالي نوميديا الذين أصلهم رعايا مسنيسا وتفرقت الجنود عن سيفاكس لما علموا بمجيء ملكهم الأصلي وسيدهم الشرعي، وأخيرا قبض عليه وعلى زوجته ابنة ازدروبال ودخل مسنيسا مدينة سرتا (الآن قسنطينة)، وجيء بسيفاكس إلى سيبيون فسجنه إلى انتهاء الحرب، وتزوج مسنيسا زوجته التي كان يهواها من قبل، لكن لم يقبل سيبيون زواجه بها وطلب منه أن يتركها أو يأخذ منه ملكه، فآثر الملك على حب هذه الفتاة ودس لها السم فماتت شهيدة الجشع والطمع.
وفي هذه الأثناء استقدمت حكومة قرطاجة أنيبال وجيوشه من إيطاليا، كما استقدمت ماجون الذي كان أرسل بجيش قرطاجي إلى جبال (ليجوريا) بشمال إيطاليا ليحول قوى الرومانيين إليه، ويخلص بذلك أنيبال من الضيق المحدق به، فعادا طائعين وطهرت الأراضي الرومانية من دنس الاحتلال الأجنبي بحسن تدبير سيبيون ونقله ميدان الحرب بإفريقية.
وقد أتى أنيبال من الفظائع عند مبارحته إيطاليا ما تقشعر منه الأبدان وترتعد له الفرائص، وقتل كل من لم يقبل مرافقته إلى إفريقية من الأهالي الذين كانوا انخرطوا في سلك جيوشه طلبا للغنيمة، فخرج من إيطاليا آسفا على عدم نجاح مشروعه وخيبة مسعاه أمام وطنية الرومانيين وتهالكهم في الدفاع عن بلادهم عشرات من السنين.
ولما عاد أنيبال إلى إفريقية أراد أن يصالح سيبيون على مال معين، فلم يقبل لتصميمه على الحرب والانتصار حتى يمحو عن رومة وجيوشها ما لحقها من العار في بعض الوقائع السابقة، وينتقم لها من قرطاجة وجيوشها التي طمحت بأنظارها لامتلاك البحر الأبيض المتوسط.
وفي شهر أكتوبر سنة 202ق.م جمع القرطاجيون ما أمكنهم جمعه من بقايا جيوشهم، واستعد سيبيون للقتال مستعينا بفرسان نوميديا الآتين مع مسنيسا لنجدته، والذين كانوا في أوائل هذه الحرب عونا لأنيبال ضد الرومانيين في وقائع تريبيا وكانه وغيرهما.
صفحة غير معروفة