والبيرة، فكان كوكتيلا اعترف بعظمته كل من حضر الوليمة، فاقت النتائج أبعد توقعات القبطان، فارتفعت الأسعار ارتفاعا باهظا، ودفع المشترون مبالغ خيالية مقابل أقمشة متواضعة.
عندما ذهبت الصحبة التي لعب برأسها الخمر للراحة، ظل أهارون وسيرافينا وحدهما على ظهر السفينة، واعترف كل لصاحبه بحبه بطريقة إسبانية محضة، ثم قررا أن يهربا معا، ويتزوجا في أول فرصة تلوح لهما. وعلى مدى اليومين التاليين ظل القراصنة يطوفون في البحر بحثا عن غنيمة جديدة. وقابلوا في اليوم الثالث مركبا شرعيا هولنديا وافق على أن يتبعهم طائعا إلى كوبا دون طلقة واحدة. عندما دخلت السفينة إلى الميناء أفادت الأنباء أن أبا سيرافينا قد جرحه أحد اللصوص، وأنه يدعو إليه سميث ليتفحص جرحه. وافق القبطان على الفور على إرسال سميث إلى الشاطئ، لم يكن الجرح خطيرا بالمرة، لكن سميث أشاع أنه خطير جدا حتى تتاح له فرصة أن يلتقي بسرافينا بشكل أكثر. وأخيرا أخبرت الفتاة عشيقها أنها على أتم الاستعداد للهرب، على أنه اتضح في الدقيقة الأخيرة أن الدليل الذي أولياه ثقتهما، ليس سوى خائن، ومن ثم أصبح على العاشقين أن يؤجلا تنفيذ خططهما إلى موعد آخر بعد أن يتمكنا من إزالة الشك وتجنب انتباه القراصنة.
أثناء ذلك أدخل لصوص البحر إلى الميناء عددا من السفن التي استولوا عليها، ومن بينها سفينة إنجليزية ضخمة، وما إن علم محافظ هافانا بهذا الأمر، حتى أرسل بفصيلة قوية من البوليس حتى يقاسم اللصوص الغنيمة.
ما إن وصل البوليس إلى الميناء، حتى أسرع بالتوصل إلى اتفاق مع القراصنة، ثم عدل عنه بسرعة في الوقت المناسب، فبمجرد وصولهم دخلت إلى الميناء إحدى سفن القراصنة، وعليها مسروقات من ثلاث سفن إنجليزية، كما كان على ظهرها غنيمة أخرى لها وزنها: ضابط إسباني وزوجه، وقد ألمت بالزوجة أثناء الطريق وعكة شديدة، فاستدعوا لها سميث، الذي كان قد حاز على سمعة طيبة كطبيب ذي خبرة، وبفضل مساعدته لها، برئت المرأة من مرضها بسرعة، مما دفعها إلى أن تعبر بصراحة عن امتنانها لهذا الرجل الإنجليزي. وذات مرة وبسبب الازدحام في السفينة - اضطر سميث أن يقضي الليل في قمرة الضابط الإسباني وزوجه، في الوقت الذي كانت المشاجرات تشب بشكل مستمر بين الأسرى.
وكان سميث من هذا النوع المحظوظ - أو التعس - من الرجال الذين يحالفهم النجاح عند النساء. استمر سميث يناور الزوج الغيور تارة، وتارة زوجته الولهى به، وتارة أخرى سيرافينا العاشقة، وطال الوقت بسفينة القرصان وهي رابضة لا تغادر الميناء، وأخذت شئون القلب التي يمارسها أهارون سميث تزداد تعقيدا يوما بعد الآخر.
وذات يوم، أرسل أحد موظفي الدولة بخطاب إلى القرصان ينصحه فيه بسرعة الخروج من المرسى، كان محافظ هافانا قد عزم على اتخاذ قرار حاسم ضد لصوص البحر، فأرسل بمئات الجنود، وخمس سفن بهدف محاصرة ملجأ القراصنة الذين أفلحوا في تلك الليلة في الخروج إلى البحر فور تلقيهم تلك المعلومة.
وثارت ذات ليلة عاصفة شديدة اضطرت سفينة القرصان إلى الاحتماء بأحد الخلجان الصغيرة المعزولة، لزم القبطان - الذي كان يعاني من نوبة الملاريا - قمرته، بينما ظل البحارة يعاقرون الخمر حتى فقدوا وعيهم. هنا قرر سميث أن الفرصة مواتية للهرب، فوضع أدواته البحرية في مخلاة، مع بعض الخبز الجاف، وأنزل إلى البحر قاربا شراعيا، ثم قطع الحبل الذي يربطها بالسفينة، وترك التيار يحمله بعيدا. وبعد أن ابتعد عن الشاطئ رفع الشراع، وأبحر في اتجاه هافانا، التي وصلها بعد يومين، متصورا أن ضياعه قد آن له أن ينتهي. على أنه ما كاد يظهر في واحد من شوارع هافانا حتى اصطدم بالقبطان الذي مكث معه في الأسر لدى القراصنة، لقد قرر الزوج الغيور أن يثأر لشرفه ورجولته التي أهينت من سميث، وطالب بالقبض عليه فورا.
كان على سميث أن يظل حبيس زنزانته بسجن المدينة الرطبة مدة طويلة، قبل أن يقف أمام المحقق. بعد استجوابات مطولة، اقتيد إلى السجن العمومي، حيث مكث هناك بين مئات المسجونين من النصابين، والمهربين، ورجال العصابات، من شتى الجنسيات عدة أسابيع في انتظار محاكمته. وقد تقدم للمحاكمة عدة مرات، ولكن قضيته كانت تؤجل لسبب أو لآخر، وفي نهاية الأمر زاره في السجن أحد أصدقاء القضاء، وعرض عليه أن يطلق سراحه مقابل مائة دوبلون،
9
وإلا - هذا ما أعلنه القاضي - فسوف يسلمه لسلطات جاميكا، التي تطالب به.
صفحة غير معروفة