بمرور الوقت أصبح الدومنيكان يتولون هذه المهمة، الأمر الذي كان من نتيجته أن أصبح الأسرى الكاثوليك في وضع أفضل من وضع الأسرى البروتستانت. وهناك حادث شهير في هذا الصدد، فعندما دفع الآباء المخلصون إلى باي الجزائر مبلغ ثلاثة آلاف قرش كفدية لثلاثة من الأسرى الفرنسيين، نظر الباي إليهم نظرة عطف، فأضاف إليهم أسيرا رابعا بلا مقابل. إلا أن الآباء رفضوا أن يصطحبوه معهم؛ لأنه كان بروتستانتيا!
في النهاية قامت البلاد البروتستانتية بدورها بإنشاء منظمة تعنى بشئون فدية أسراها، وكان على رأسها سيدني سميث.
استمرت القرصنة البربرية بضع قرون اجتازت فيها مختلف التقلبات، إلا أنها بحلول القرن الثامن عشر، ونتيجة لفقدها نقاط الارتكاز السياسية في الإمبراطورية العثمانية، التي أخذت شيئا فشيئا في الضعف والتحلل - إلى جانب الأعمال المشتركة بين الدول الأوروبية - أخذت بدورها في الانهيار تدريجيا، لكنها كانت ما تزال - حتى في القرن التاسع عشر - على قدر كبير من القوة، حتى إنه في حوالي عام 1800م على سبيل المثال، كانت ممالك صقلية، وتوسكانا، وسردينيا، والبرتغال، والدنمارك، والسويد، وهانوفر، وبريمن، تدفع إتاوة ثابتة لقراصنة البربر.
في حوالي الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، انتهت تماما من الوجود دولة القراصنة البربر.
الفصل الرابع
القرصنة في البحر الكاريبي
أسهمت الطفرات الاجتماعية والاقتصادية الجذرية، التي حدثت في الكثير من الدول الأوروبية في القرن السادس عشر، والتي أدت إلى انهيار العلاقات الإقطاعية السابقة في القضاء على القرصنة في البحار المتاخمة لأوروبا، على أن النهب البحري عاد بعد أن طرأ عليه بعض التغيير الظاهري.
ففي أمريكا، ظلت الأشكال الاقتصادية التي انتهت في أوروبا، وما ارتبط بها من أشكال علاقات الإنتاج والتبادل المتخلفة، سائدة لبعض الوقت. كان بإمكان قراصنة العالم الجديد، مثلهم في ذلك مثل أسلافهم الأوروبيين والأفارقة، أن يربطوا في أحيان كثيرة بين نشاطهم في السلب واشتغالهم بالتجارة والملاحة.
وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر، أصبحت مياه البحر الكاريبي وجزر الأنتيل المنتشرة فيه هي المسرح الرئيس لتاريخ القرصنة الأمريكية الحافل، فقد تحولت هذه الجزر ذات الخلجان العديدة والمنيعة، التي اكتنفتها العزلة والهدوء، إلى أوكار وملاجئ على مدى عشرات السنين لكل أصناف المغامرين ولصوص البحر.
مارست القرصنة نشاطها في البحر الكاريبي على وجهين مختلفين؛ فمن ناحية دخلت القرصنة طرفا في الحروب التي دارت رحاها بين الدول الأوروبية الاستعمارية؛ من أجل الاستيلاء على أجزاء من العالم الجديد، وفي هذه الفترة توافق نشاط القرصنة البحرية، المقترن بنهب الشواطئ في بعض الأحيان، مع ظهور الأساطيل الحربية الجبارة في هذا البحر، واشتراك الأخيرة هي أيضا في عمليات نهب المدن على نطاق كبير. إن هذه العلاقة بين القرصنة والنهب كانت وثيقة إلى حد أنه كان من الصعب وضع حد فاصل بين هاتين الظاهرتين، وتحديد أي الشخصيات في الملاحم الكاريبية ينبغي أن يندرج في خانة القراصنة، وأيها في خانة اللصوص.
صفحة غير معروفة