وقد شارك في احتلال هذه الأراضي الخاضعة أناس ينحدرون من أصول دنماركية، وكانوا يسمون أيضا بالنورمانديين. وهؤلاء كانوا قد تركوا الدنمارك بعد انتهاء الحرب الأهلية، واستوطنوا في حوالي عام 850م المناطق المحيطة بأنهار اللوار والسين والتايمز، وأسسوا في الجزر المبعثرة عند مصباتها معسكرات قوية، جلبوا إليها عائلاتهم من يوتلانديا. لم يكن الاستعمار يعني بالنسبة للفايكنج التوقف عن ممارسة السلب؛ فقد كانوا يتركون أماكن سكناهم الجديدة موغلين في عمق بلاد الفرنكيين ميممين صوب الجنوب، إذا كان النورمانديون حتى ذلك الحين يتحركون بشكل ثابت تقريبا بمحاذاة شواطئ البحار والأنهار، فإنهم الآن أخذوا أكثر فأكثر يستبدلون الخيل بالزوارق.
أصبح النضال ضد النورمانديين أمرا بالغ الصعوبة؛ لما تميزوا به من قدرة على المناورة، وسرعة الحركة، والتفوق على صفحة البحر؛ فقد أخذ السكان الذين تملكهم الرعب، في الهرب باحثين عن ملجأ لهم في الغابات والجبال؛ لتعصمهم تاركين وراءهم المسكن والأرض. أما الحكام المستضعفون الذين لم تكن لديهم القدرة على التغلب على النورمانديين؛ فغالبا ما كانوا يدفعون للغازي الفدية التي كانت تشكل عبئا ثقيلا على الرعايا، مما دفع بالسكان إلى اللجوء أكثر فأكثر إلى الدفاع عن أنفسهم ذاتيا.
كان الفايكنج أحيانا ما يتركون بعض المناطق في هدوء نسبي، ففي عام 859م مثلا غادروا وكرا للقراصنة يقع عند مصب نهر اللوار؛ إذ إن ما قاموا به من أعمال النهب والقتل في هذه المناطق لم يدع لهم شيئا يستولون عليه، فاتجهوا جنوبا. وفي طريقهم عاثوا فسادا على شواطئ إسبانيا وأفريقيا، وتعرضت جزر باليار في البحر الأبيض المتوسط لعدوانهم إلى أن توقفوا على ساحل فرنسا الجنوبي، حيث دلتا نهر الرون لقضاء الشتاء به. مرة أخرى عاد الفايكنج في ربيع عام 860م لمواصلة التحرك، بعد أن قاموا بنهب إقليم البروفانس (جنوب شرقي فرنسا)، واكتسحوا شواطئ شبه جزيرة أبنين، وقد تمكنوا بالخداع من الاستيلاء على مدينة بيزا (في وسط إيطاليا)، والتي أصبحت منذ ذلك الحين نقطة انطلاق جديدة لحملاتهم إلى توسكانا، وفي عام 861م يعود الفايكنج إلى ملجئهم عند مصب اللوار.
لقد أتاح التفتت السياسي لبريطانيا آفاقا جديدة أمام النورمانديين، الذين كان اهتمامهم بأوروبا قد فتر لبعض الوقت، إذ بدءوا في الهجوم على إنجلترا من جهة الشمال، وفي عام 866م، نزل القراصنة في خليج هامبر، وسرعان ما أثمرت تحركاتهم عن احتلال جزء كبير من الجزيرة.
على مدى عشرات السنين، لم تكن هناك في أوروبا أية قوة مؤهلة للتصدي للفايكنج، كان العالم المسيحي بأسره يرتعد أمام كارثة العصور الوسطى البشعة هذه، والتي تقف لتتساوى مع الطاعون وغارات الكفار. وقد ظلت الكلمات التي يتألف منها الدعاء القائل:
a furoa nomaorum ilbera nos, domines «اللهم نجنا من غضب النورمانديين» لزمن طويل يذكر شعوب أوروبا بالسنوات الرهيبة المليئة بالرعب الدموي الذي فرضه قراصنة الشمال.
كان ألفريد الأكبر
9
هو الوحيد الذي نجح في صد هجوم النورمانديين على إنجلترا، وكانت المعارك بينه وبين الغزاة سجالا، وأسفرت عن استعادة ألفريد لولاية ويسكس التي كان قد فقدها قبل ذلك، وفي عام 878م وقع ألفريد معاهدة تقضي بتقسيم إنجلترا ، ظل الجزء الغربي من البلاد بناء عليها تحت حكم ألفريد، بينما آل الجزء الشرقي للغزاة. بعد عام 878م عاد أولئك النورمانديون الذين لم يستوطنوا إنجلترا إلى أوروبا، ليستأنفوا هنالك أعمال النهب، وفي عام 885م حاصروا باريس، وقد دفع لهم كارل السمين
10 (كارل الثالث) فدية ضخمة مقابل فك الحصار عن المدينة الذي استمر ما يزيد عن عام. وفي عام 911م قام سلالة النورمانديين بإخضاع الإقليم الذي أصبح معروفا، منذ ذلك الحين، باسم غزاة الشمال النورمانديين. ومن هذا المكان تحديدا خرج النورمانديون في عام 1066م، بقيادة فيلهلم الفاتح
صفحة غير معروفة