كان جالفاو الذي عانى بنفسه فظائع سجون سالازار يدرك جيدا هذه المشاعر، التي عصفت بهؤلاء الضباط، الذين لم يكونوا يتمتعون أساسا بصفات الشجاعة والإقدام، وحتى ينجح في تهدئتهم، ويجنبهم العقاب والاضطهاد المتوقعين مستقبلا من جانب البوليس البرتغالي. سلم جالفاو لطاقم السفينة شهادة أثبتت أن تصرفاتهم جميعها تمت قسرا، وانضم للتوقيع على هذه الشهادة التي توثق لاختطاف السفينة أيضا الثوار والقبطان وسوتوماير وعدد آخر من الشهود.
جدير بالذكر أن المستسلمين ظلوا، وحتى نهاية الرحلة ملتزمين بتنفيذ كل أوامر الثوار، ولم يبدوا أي قدر - ولو ضئيلا - من المقاومة.
لقد أصبحت هذه الجزيرة البرتغالية العائمة تحت سيطرة الثوار بعد ساعة واحدة من بدء «عملية دولتسينية»، حتى إن المسافرين الذين كانوا يغطون في النوم في غرفهم ، لم يكن لينتابهم الشك أن شيئا يحدث تلك الليلة. كان جالفاو على أهبة
13
الاستعداد لمواجهة أية مضاعفات، يمكن أن تنشأ نتيجة معرفة المسافرين والبحارة، الذين كانوا ينالون آنذاك قسطهم من الراحة بما حدث. على أية حال لم يكن لهذه الهواجس ما يبررها، فالوضع - بعد معرفة الجميع بما حدث - ظل كما كان عليه، فلم تكن هناك مظاهر للذعر سواء بين المسافرين، أو بقية أفراد الطاقم.
الأمر الوحيد الذي وقع دون أن يكون في حسبان أحد هو الاضطراب الذي وقع بين عمال المطعم، الذين تصوروا أن الركاب قد قاموا بتمرد فوق السفينة، ولكنهم عندما علموا أن القبطان جالفاو على رأس المتمردين، وأن اختطاف السفينة يحمل طابعا سياسيا، هدأت نفوسهم. وعلى عكس المتوقع فقد لقي الثوار تفهما أكبر لدى السائحين الأجانب، وكثير من هؤلاء أصبحوا أصدقاء مخلصين لجالفاو ورفاقه، دون أن ينتابهم أي إحساس بالخوف من انتقام من البوليس البرتغالي.
على الرغم من العطب الذي أصاب أحد الماكينات، فقد واصلت السفينة سيرها بسرعة كبيرة تماما، كما وعدت بذلك شركة الملاحة المسافرين في إعلاناتها، كان جالفاو يسعى بكل ما أوتي من حيلة للخروج بأسرع ما يمكن من متاهة الجزر المنتشرة في البحر الكاريبي، حتى يتمكن من الخروج إلى عرض المحيط الأطلنطي.
في صباح يوم الإثنين الموافق 23 يناير أبلغ طبيب السفينة القبطان جالفاو بأن حياة واحدة من الاثنين اللذين أصيبا إبان إطلاق النار في خطر، الأمر الذي يستلزم اتخاذ قرار حاسم، ورأى الطبيب أن من الممكن إنقاذ حياة المصاب في حالة إنزاله إلى الشاطئ، حيث يمكن توفير الرعاية الطبية اللازمة. علاوة على ذلك فقد فاجأت أحد المسافرين آلام مبرحة في الكبد. لم يكن جالفاو يثق ثقة كاملة في النتائج التي توصل إليها الطبيب، ولكنه لم يكن - في الوقت نفسه - يمتلك أية إمكانات للتثبت من صحتها، وانطلاقا من أن موت رجلين بريئين يمكن أن يلطخ سمعة الثوار قرر جالفاو أن ينزل المرضى إلى الشاطئ، على الرغم من أنه بذلك العمل يكشف عن مكان وجود السفينة، ومع ذلك فقد نشرت إحدى الصحف الأرجنتينية - بعد هذا الحادث بعدة أيام - مقالا صحفيا تعلق فيه على قرار القبطان جالفاو، بأنه قرار يفتقر إلى صفات الثورية الحقة، وإن لم تنقصه القسوة والفظاظة.
كانت «سانتا-ماريا» قد رست في التاسعة صباحا على بعد ميلين من شواطئ جزيرة سانتالوتشيا، حيث نقل المرضى بواسطة قارب بخاري يصحبهم فيه مساعد الطبيب.
لم تكن سوى بضع دقائق توقفت فيها السفينة لتؤدي مهمتها، انطلقت بعدها بأقصى سرعة مخترقة عباب الأطلنطي ميممة نحو شواطئ أفريقيا. في البداية قطع الثوار كل اتصال لهم بالعالم الخارجي، حرصا منهم على بقاء موقعهم في المحيط مجهولا، ثم ما لبث جالفاو أن رفع هذا الحظر، لقد اتضح فيما بعد أن نظام سالازار قد أعاق وصول العديد من البرقيات التي أرسلتها «سانتا- ماريا»، محاولا بذلك خلق انطباع بأن الثوار يسيئون معاملة الركاب والطاقم.
صفحة غير معروفة