هذي هي وقعة الشنانة والأحرى أن تدعى بوقعة وادي الرمة 18 رجب 1322ه / 29 سبتمبر 1904م، وهي القسم الثاني من مذبحة البكيرية التي قضت على عساكر الدولة وأغنت أهل نجد.
الفصل السادس
الأتراك يفاوضون ويتفرجون
قد نكبت الدولة نكبتين في البلاد العربية في هذه السنة (1322 / 1904)؛ الأولى في نجد، والثانية في اليمن. ومن غريب التقادير أن الإمام يحيى الشاب في صنعاء وابن سعود الشاب في القصيم كسرا الجيوش «المنصورة» كسرات شنيعة، ورفعا للسيادة العربية أعلاما لا تزال تخفق في سماء الاستقلال. أما نكبة الدولة في صنعاء فتختلف شكلا عن نكبتها في القصيم. هناك كان جيشها محصورا، وهنا تشتت ما تبقى من الجنود بعد الوقعة الأخيرة فكانت حالتهم محزنة. فقد فر بعضهم مع ابن الرشيد، وهام الآخرون في الفيافي كالسائمة، ومنهم من لجئوا إلى ابن سعود فأواهم وكساهم وأعطاهم الأمان.
أما ابن الرشيد الذي فر هاربا إلى الكهفة - قرية من قرى حائل - فقد أرسل يستنجد الدولة مرة أخرى. وكانت الدولة كمن خسر في المقامرة فغامر بقسم آخر من ماله أملا باسترجاع الخسارة. وقد غامرت بقسم كبير هذه المرة فأرسلت أحد رجالها الكبار المشير أحمد فيضي باشا الذي اشتهر بشجاعته وبحسن سياسته، وشفعته برجل آخر الفريق صدقي باشا المتصف ببعد النظر وطول الأناة. جاء الأول بثلاثة طوابير وخمسة أطواب من بغداد، وجاء الثاني من المدينة بطابورين، فالتقوا وعسكروا قرب القصيم.
لم تكن تقصد الدولة الحرب ولكنها، وقد رغبت في المفاوضة من أجل السلم، أرسلت هذه القوة من جندها لتعزز جانبها. وكانت قد بعثت إلى ابن سعود بواسطة الشيخ مبارك تقول إنها تريد أن تفاوض أباه الإمام عبد الرحمن، وطلبت أن يوافي والي البصرة إلى الزبير.
أجاب الإمام طلب الدولة، فسافر إلى الكويت، ومنها والشيخ مبارك إلى الزبير، فاجتمعا هناك بالوالي، وبعد المفاوضات في أمور نجد والقصيم قرروا أن يكون القصيم على الحياد؛ أي أن يتكون منه مقاطعة مستقلة تقوم حاجزا بين ابن الرشيد وابن سعود، وأن يكون للدولة فيه مركز عسكري ومستشارون .
لم يوافق الإمام عبد الرحمن على هذا القرار، إلا أنه قبل إكراما للشيخ مبارك أن يعرضه على أهل نجد، ولكن أهل نجد لم يقبلوا ألبتة أن يكون القصيم على الحياد، ولا أن يكون فيه حامية للدولة.
عندما علم ابن سعود بعودة أبيه خرج يلاقيه إلى الحسي، فاجتمع به هناك وسار وإياه إلى شقرا، فأقام الإمام فيها واستمر عبد العزيز سائرا برجاله إلى القصيم، فنزل العماد التي تبعد خمسة وعشرين ميلا عن بريدة إلى الجنوب. وكان فيضي باشا وصدقي باشا قد اجتمعا بابن الرشيد فتفاوضوا واختلفوا. أراد ابن الرشيد أن يضغط على أهل نجد، وأن يأخذ أهل القصيم بالسيف، فخالفه المشير ولسان حاله يقول: الرأي قبل شجاعة الشجعان.
عاد ابن الرشيد بعسكره إلى الكهفة حانقا، وركب المشير على رأس جنوده قاصدا القصيم، فلما وصل إلى بريدة أبى أهلها أن يدخل المدينة، ولكن واحدا منهم هو صالح الحسن من آل مهنا أرسل إليه رسولين هما ابن عمر ومحمد آل علي أبو الخيل يقول إنه وأتباعه يطلبون حماية الدولة والاستقلال.
صفحة غير معروفة