لم يصف الجو والحال هذه حتى لسعود؛ فقد قام أهل الرياض عليه في هذه الآونة فأخرجوه - بعد أن أمنوه على حياته - من المدينة، ثم تولى الحكم فيها عمه عبد الله بن تركي.
رحل سعود إلى الدلم بالخرج ومنها إلى الأحساء يستنهض العجمان وآل مرة على الترك، فاجتمع حوله جيش من تلك البوادي وهجموا على الحساء، فخرج الترك إليه في الحويرة وبادروه القتال فهزموه. على أن الفشل لم يكن ليثني هذا السعودي عن عزمه، فقد عاد يقطع الدهناء إلى الأفلاج، وحمل على أخيه الآخر وأبناء عمه هناك، فانتصر في وقعة الدلم التي فر منها محمد بن فيصل هاربا، وأسر فيها عبد الله بن تركي الذي مات بعد أيام قليلة في السجن.
استمر النصر بعد ذلك حليفا لسعود. فحارب أهل ضرمة وهزمهم ثم أهل حريملاء فأدخلهم في طاعته (1290ه / 1873م)، ثم أعاد الكرة على الرياض، وكان أخوه عبد الله قد عاد إليها، فخرج وأهلها عليه فاحتربوا في الجزعة وكانوا مهزومين. ارتحل بعد ذلك عبد الله ومعه بعض خدامه إلى ناحية الكويت، فأقام على ماء الصبيحية هناك عند بادية قحطان. ودخل سعود الرياض ثم أمر رؤساء البلدان ثانية أن يقدموا إليه ويبايعوه ففعلوا.
سنة واحدة استقام الأمر فيها لسعود بن فيصل، فتنفس الصعداء وقال للحرب استريحي، ولكن ابن الإمام فيصل الرابع وهو عبد الرحمن قام يخطب ودها فبادرت إليه. وكان قد نهض بحلف من العجمان وآل مرة يريد إخراج الترك من الحساء، فهجم عليهم هناك وكاد يظفر ببغيته لولا نجدة جاء بها ابن السعدون من العراق، فكسرت العجمان وشتتت شملهم. عاد عبد الرحمن إلى الرياض فألفى سعودا في القصر مريضا 1291ه / 1874م، وقد توفي في هذه السنة، فتولى الإمارة بعده، وكان أخواه عبد الله ومحمد إذ ذاك مع بادية عتيبة.
جاء محمد بجيش من عتيبة يحارب عبد الرحمن فحشد عبد الرحمن جيشا من أهل الرياض والخرج وبوادي العجمان ومطير ليحارب محمدا. وقد التقى الجيشان في ثرمدا، فكانت هناك وقعة تلاها صلح بين الأخوين. أما أبناء سعود فقد كانوا مع عبد الرحمن في هذه الوقعة، ثم انقلبوا عليه فراح يقصد أخاه الأكبر عبد الله وهو يومئذ في بادية عتيبة، فأكرمه وعاد وإياه إلى الرياض لمحاربة أبناء أخيهما الثائرين. على أنه لم يدركوهم في المدينة؛ لأنهم كانوا قد انسحبوا منها وارتحلوا إلى الخرج فأقاموا هناك.
صفا الجو لعبد الله أو بالحري صفا الجو في بيت أنجال الإمام فيصل، فكان الأخوان محمد وعبد الرحمن مطيعين لأخيهما الإمام، ولكن أبناء سعود ظلوا عاصين متمردين. وهناك غيوم أخرى أخذت تتلبد في الأفق الشمالي.
حدثني جلالة الملك عبد العزيز قال: «لم يستقم الأمر لعبد الله لثلاثة أسباب؛ أولا: وجود أبناء أخيه في الخرج يحرضون القبائل عليه. ثانيا: مناصرته لآل عليان أمراء القصيم السابقين على أعدائهم آل مهنا الأمراء الحاكمين في ذاك الحين. وكان هذا جهلا من عبد الله؛ لأنه في وقت ضعفه ليس من الحكمة أن يتحزب لبيت مغلوب فيضعضع نفوذه في القصيم. ثالثا: ظهور محمد بن الرشيد الطامع بحكم نجد. فقد تحالف مع آل أبي الخيل (من آل مهنا) وكانوا كلهم يدا واحدة على ابن سعود.»
النزاع الذي أشار إليه جلالة الملك يستوجب الشرح. ورأس هذا النزاع بريدة التي كانت في الماضي ماء لآل هذال من شيوخ عنزى، فاشتراها منهم سنة 958 راشد الدريبي العنقري التميمي من آل عليان، ثم عمرها وسكنها ومن معه من عشيرته، فاستمرت رئاستهم فيها إلى أن تغلب عليهم آل مهنا من عنزى في آخر القرن الثالث عشر للهجرة.
ولكن آل عليان ظلوا يدسون الدسائس لآل مهنا ويستنجدون بهذا وذاك عليهم، فأفضى العداء إلى قتل مهنا أبي الخيل في عهد عبد الله، فكتب أولاده إلى الإمام يشكون الأمر إليه فلم يسمع شكايتهم، بل انحاز، كما قال جلالة الملك، إلى آل عليان. أما آل مهنا فاستنجدوا ابن الرشيد الأمير محمدا، فجاء هذا بريدة، وطفق يحفر تحت سيادة ابن سعود فيها.
وعندما حدث الخلاف بين الإمام عبد الله وبين أهل المجمعة فأدى إلى الحرب كان محمد بن الرشيد قد اتفق وأهل ذاك البلد على أن يكون حليفهم وحاميهم (1299ه / 1881م)، وأن يكونوا من رعاياه، فاستنجدوه عندما بلغهم خبر قدوم عبد الله بن فيصل، فبادر إلى نجدتهم بجيش مؤلف من بوادي شمر وحرب. وعندما وصل إلى بريدة انضم إليه أميرها حسن آل مهنا أبو الخيل ومعه جند من القصيم، ثم زحفوا إلى الزلفى، وكان عبد الله ومن معه من أهل المحمل وسدير والوشم وبادية عتيبة قد عسكروا في ضرمة، فلما علموا بتحالف ابن الرشيد وابن مهنا وزحفهما إلى الزلفى انسحبوا من ضرمة وعادوا إلى الرياض.
صفحة غير معروفة