وقد قام ابن تيمية في القرن الثامن للهجرة ينصر ابن حنبل وينشر مذهبه، بل ينصر ما رآه حقا ويبين أن مذاهب الأئمة كلها لا تختلف في الحق بعضها عن بعض، فألف الرسائل في الحديث والعبادات، وفي زيارة القبور، وكان للأئمة مثل الرسول بولس للمسيح.
قد أسلفت القول إن أهل نجد على ما كانوا فيه من سخيف العبادات هم أصلا حنابلة. وقد كان جد الشيخ محمد وأبوه وغيرهما من القضاة يستخرجون الأحكام على مذهب الإمام أحمد، أما الشيخ محمد نفسه فقد طالما تمثل بهذه الأبيات:
بأي لسان أشكر الله إنه
لذو نعمة قد أعجزت كل شاكر
هداني إلى الدين القويم تفضلا
علي وبالقرآن نور البصائر
وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل
عليه اعتقادي يوم كشف السرائر
قد كان الشيخ محمد معجبا أيضا بابن تيمية مكثرا من مطالعة كتبه، وهو القائل: «لست أعلم أحدا يجاري ابن تيمية في علم الحديث والتفسير بعد الإمام أحمد بن حنبل.» إنك ترى إذن أن المذهب الوهابي هو في أصوله المذهب الحنبلي، وأزيدك علما أن كثيرين من أهل نجد - من أهل التوحيد - يدعون أنفسهم حنابلة ويؤثرون هذا اللقب على سواه.
ما فضل ابن عبد الوهاب إذن؟ إن فضله بالرغم عما ذكرت لعظيم. ليس من الواجب أن يكون المصلح مبتكرا طريقته أو مكتشفا لناموس جديد في الكون أو في الحياة. إن المصلح لمخلص أولا في يقينه لا يهاود فيه ولا يحابي، وهو مخلص في عمله لا يخرج فيه عن يقينه. وإنه إذا ما بلغ هذه الدرجة من الإخلاص لمتعصب. والمتعصب مقاتل حتى يستقيم المعوج وتصفو موارد العبادة واليقين.
صفحة غير معروفة