صاحب الجلالة الملك عبد العزيز المعظم
يا طويل العمر
منذ عهد الخليفة عمر حتى بداية عهدكم السعودي لم يسعد العرب بمن يجمع شملهم، ويوحد كلمتهم، ويعزز شئونهم، فيجعلها تحت السيادة التي فيها الخير الأكبر للجميع؛ أي السيادة العربية الواحدة.
كان في بني أمية معاوية، وفي بني العباس المأمون، وفي الأيوبيين صلاح الدين. ثلاثة من عظام العرب، بل من عظام الرجال في التاريخ العام، ولكنهم وإن وصلوا إلى ذرى المجد ورفعوا أعلام العرب في أقاصي البلدان، فلم يتمكنوا من بسط سيادتهم على شبه الجزيرة كلها، ولا كان يهمهم العنصر الأكبر فيها، أي البدو، إلا كحطب للحروب.
ما استطاع الأمويون أن يوفقوا حتى بين القيسية واليمانية في الشام، ولا استطاع العباسيون أن يبسطوا نفوذهم حتى على عشائر الأحساء، وما فكر صلاح الدين - على ما يظهر - في تحسين حال البدو ونزع العداوات المتأصلة بينهم.
ولت الألف والثلاثمائة سنة وهؤلاء العرب لا يزالون كما كانوا، ما غير الزمان شيئا في أحوالهم المدنية أو بالحرى البدوية، ولا عمل فيهم عامل من عوامل التطور الاجتماعي.
ألف وثلاثمائة سنة! ثم كتب لهم بعمر ثان، بعث إليهم بعبد العزيز بن سعود ليجمع شملهم، ويوحد مقاصدهم، ويعزز جانبهم، ويؤسس ملكا عربيا هو منهم، وهو فيهم، وهو لهم.
يا طويل العمر، إن ما قمتم به من تحضير البدو، وتأسيس الهجر، لمن أمجد مآثركم القومية، ومن خير أعمالكم الإصلاحية، غير أن هناك عملا آخر فيه كذلك الخير الجزيل، بل فيه للعرب الخير الأكبر.
كانت الهجرة الأولى - هجرة البدو - من الشرك إلى التوحيد في الدين، ومن البادية إلى الحضارة. فعسى أن تكون الهجرة الثانية من الأمية إلى الألفباء، من الجهل إلى العلم، من الظلمات العقلية إلى النور.
بنيتم، يا طويل العمر، البيوت للبدو، هي الخطوة الأولى في تمدينهم، فعسى أن تخطوا الخطوة الثانية فتبنون لهم كذلك المدارس. إن في المدارس تحقيق كل ما تنشدون. المدارس تكمل عمل السيف، المدارس تمهد السبيل إلى الوحدة العربية الثابتة، الوحدة الشاملة، الوحدة العزيزة الوثيقة العرى.
صفحة غير معروفة