انتصف الليل فهجم أمير حائل على مخيم أمير نجد الفارغ فذهب رصاصه سدى، وفرت الإبل فلحقتها البادية. وقد شردت كذلك تحت جناح الظلام بادية ابن سعود، فلم يبق غير الحضر في الجيشين.
أرسل عبد العزيز سرية لمناوشة من هجموا على المخيم ثم الانسحاب ففعلت، فظنوه معها وظنوه مهزوما، ولكنه كان ورجاله كامنين في رأس النفود، فأغاروا عند انبثاق الفجر في (5 ربيع أول / 29 آذار) من هذا العام عليهم. وكانت هذه المفاجأة خاتمة وقعة الأشعلي، وكان في الخاتمة نصر لابن سعود مبين. خسر الرشيديون عددا كبيرا من رجالهم، وكثيرا من رواحلهم ما عدا ما كانوا قد غنموه في الليلة السابقة، وتقهقروا عائدين إلى الشعيبة.
أما ابن سعود فسار بحواضره إلى قبة، وكانت بواديه قد شردت كما قلت، فتبع وقعة الأشعلي هدنة كان الضيق من قلة الأمطار سببها، فلم يستطع أحد من الفريقين مواصلة القتال.
ولكن ابن سعود خرج من قبة غازيا بعض عربانه العاصين في أعالي نجد على طريق المدينة، وعاد إلى القصيم فأمر فيه ابن عمه عبد الله بن جلوي وانحدر إلى الرياض، فلما قرب من العاصمة التقى برسول من أبيه جاءه يقول: «جنبوا جنبوا. الفتنة مشتعلة في الحريق بين الهزازنة.»
والهزازنة أي آل هزان من عنزى وهم أقارب لآل سعود - أقارب أبعدون. كان قد قتل بعض منهم في تلك الفتنة، فأرسل الإمام عبد الرحمن سرية قبضت على القتلة وسلمتهم إلى إخوان المقتولين فقتلوهم، ولم تخل الفتنة من مآرب سياسية، فعاد الهزازنة بعد رجوع السرية يشعلون نارها، فاعتدوا على آل خثلان، فذبحوا منهم شيخين طاعنين في السن ادعوا أنهما اشتركا في قتل أخيهم الكبير محماس. أثار هذا الادعاء الكاذب غضب الإمام عبد الرحمن، فأمر ابنه عبد العزيز أن يحمل عليهم في الحال: جنبوا إلى الحريق، جنبوا!
طلب عبد العزيز فرصة يومين ليزور أهله في العاصمة، فكان له ذلك. وفي اليوم الثالث نزل إلى الحريق، ودعا الهزازنة لحكم الشرع فأبوا، وهم حقيقة لا يريدون الخضوع لحكم ابن سعود، ثم دخلوا حصنهم وتحصنوا فيه، فحاصرهم شهرين وما انفك يدعوهم لحكم الشرع وهم متمردون، وفي ذاك الحصن منيعون.
عندئذ أقدم ابن سعود على عمل يعد حتى في غير البلاد العربية كبيرا، فأمر رجاله بحفر نفق يوصلهم إلى الحصن، فباشروا ذلك وكان طول النفق عندما تم أربعين باعا، ثم عزم أن يشعل فيه البارود فينسف الحصن نسفا، ولكن نساء المحصورين وأولادهم كانوا ساكنين في بيوت فوق ذلك النفق، فأرسل عبد العزيز ينذرهم ويؤمنهم على حياتهم إذا هم أخلوها. ولكن المحاصرين أبوا واستمروا متمردين، فأرسل إليهم رسولا يقول: «إذا كنتم لا تخرجون حريمكم وأطفالكم فأنتم المسئولون عن حياتهم أمام الله.»
ظن المحاصرون في بادئ الأمر أن ابن سعود يهول عليهم بنفق وهمي، فلما تأكدوا الحقيقة سلموا لتسلم عيالهم.
عاد عبد العزيز إلى الرياض ومعه زعماء آل هزان إلا واحدا منهم استأذن بالسفر إلى حوطة بني تميم لأشغال له هناك فأذن بذلك، ولكن أخاه راشدا أحد الذين سلموا كتب يشير عليه بالفرار وأنه لاحق به، فوقع الكتاب بيد عبد العزيز وكانت النتيجة أن صاحبه أصبح سجينا، بعد أن كان ضيفا مكرما، في الرياض.
1
صفحة غير معروفة