تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية

علي الشدوي ت. 1450 هجري
41

تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية

تصانيف

سأكتفي بما توقفت عنده من استعارة النحو بعض مفاهيمه من علوم أخرى، وهي استعارة تتعلق بالشروط العقلية للممارسة العقلية النحوية. ومن غير أن أحمل مرحلة سيبويه التاريخية فوق ما تحتمل من شروط التفكر العقلي، فإن ممارسة عقلية كهذه لم تكن لتوجد ما لم يتوفر حد أدنى من الشروط على المستويين الثقافي والاجتماعي لتلك المرحلة التاريخية.

لا يمكن لي أن أعيد تفكير سيبويه العقلي في النظام اللغوي من حيث هو نحو في حدود العقل إلى مؤسسات مدينة البصرة، كما يقال مثلا على المدينة في اليونان. وإن كان الاعتراف بعقلانية البصرة يجب أن يؤخذ في الاعتبار؛ فنحو سيبويه يتميز بمعاصرته؛ ليس لعلوم الشرع فحسب إنما أيضا للعلوم الأخرى كعلم الكلام. وإذا ما كانت معرفة سيبويه بعلم الحديث معرفة المحترف الذي تعلمه، فإن معرفته علم الكلام معرفة الهاوي التي انعكست على تفكيره.

حين ترك سيبويه تعلم الحديث تعلم على الخليل بن أحمد، وسيبدي لنا وصف ابن المقفع للخليل أي شيء تميز به الخليل بن أحمد حينما قال عنه: «رأيت رجلا عقله أكبر من علمه.» وهو ما أثر في سيبويه الذي تجاوز العقل البلاغي للنحاة الذين سبقوه إلى المفاهيم النحوية التحليلية. لقد وجد وصف ابن المقفع لسيبويه الصدى الذي يستحقه. يروى عن صاحب الأخبار وراوية الآداب أبي بكر الباهلي البصري أنه نظر في كتاب سيبويه فقال: «علمه أبلغ من لسانه .»

38

والمهم هنا ليس الحبسة التي في لسان سيبويه كما يروى، إنما التفكير العقلاني الذي تنبئ به العبارة.

المفاهيم الموجهة للكتاب

في المتن الذي أحلله (رسالة الكتاب) سلسلة من أقوال سيبويه ك «اعلم» أن:

بعض الكلام أثقل من بعض؛ فالأفعال أثقل من الأسماء.

39

ما ضارع الفعل المضارع من الأسماء في الكلام ووافقه في البناء أجري مجرى ما يستثقلون، ومنعوه ما يكون لما يستخفون.

صفحة غير معروفة