182

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

تصانيف

غير أنه لم يشجع العلم وأهله؛ لأنه كان يعتقد أن فتح المدارس ينبه عقول عامة الناس، فيجعل قيادتهم أمرا عسيرا.

وأهم الحوادث التي حدثت في أيامه، بل أهم الأغلاط التي ارتكبها في مدة حكمه من الجهة المصرية اثنتان؛ الأولى: فتح باب استدانة الحكومة، والثانية: إذنه لفردناند «ديلسبس» بحفر ترعة السويس لتوصيل البحر الأبيض بالبحر الأحمر؛ ففي عام (1278ه/1862م) أمضى عقد قرض في لندن مع «فرهلنج غوشن» بمبلغ 3292800 جنيه، فلما توفي في عام (1279ه/1863م) كان على البلاد ديون أجنبية قدرها ثلاثة آلاف ألف، وعليه هو ما يربو على ضعفي ذلك؛ فكان ما تركه من الدين لخلفه يبلغ عشرة آلاف ألف من الجنيهات تقريبا.

وأما إذنه بحفر قناة السويس، فإنه عاد على البلاد وأهلها بالويلات، ونضب من أجلها معين ثروتها ورجالها. وقد حصل على هذا الإذن المسيو «ديلسبس» بما كان له من المكانة العالية عند سعيد قبل توليته، وبما كان يعده به من الفوائد التي تنجم من ذلك المشروع الخطير مع قلة النفقات، بدعوى أن كل ما يحتاج إليه من المال لحفر الترعة سيكون من فرنسا. وسيتضح لنا في الفصل التالي أن كل وعود ديلسبس كانت أضغاث أحلام وأوهاما كاذبة، وأن معظم نفقات القناة كان من دماء الفلاح المصري.

سميت صحراء الريدانية «العباسية» منذ عهد عباس باشا الأول، لاتخاذ قصره بها.

الفصل الثاني

قناة السويس

تدل الآثار القديمة على أن فكرة توصيل البحر الأبيض بالبحر الأحمر سنحت في عالم الوجود منذ أزمان غابرة، وأنه كان يوجد في عهد «سيتي الأول» (1380ق.م) ترعة واصلة بين البحرين بطريق النيل، تخرج منه عند «بوبسطة» وتصب في البحر الأحمر مخترقة وادي الطميلات، وهي المسماة عند قدماء المؤرخين بترعة «سيزستريس».

ثم أهملت هذه الترعة وبقيت كذلك إلى أيام «نخاو» (609ق.م)، فهم بإعادة حفرها، وبعد أن هلك في ذلك ما يقرب من 120000 من فلاحي مصر أوقف العمل فجأة توهما منه أن الآلهة أنذرته عاقبة العمل لمصلحة الأجانب، فكأن الاعتقاد بأن حفر الترعة ليس إلا عملا قاصرا على نفع الأجانب كان يجول في خلد الأقدمين، كما جال في خلد محمد علي باشا حين تردد في إنفاذ مشروع قناة السويس عندما عرض عليه كما ذكرنا آنفا.

ولما استولى الفرس على مصر شرع «دارا» (520ق.م) في كري هذه الترعة القديمة، فلم يتسن له إتمام العمل، وبقيت الترعة مهملة حتى جاء «بطليموس الثاني» فأتم حفرها وكريها عام (277ق.م)، غير أنها أهملت بعد ولم يقم الرومان فيها بإصلاح يذكر.

فلما فتح عمرو بن العاص مصر سنة (20ه/641م) واستأمره الخليفة عمر بن الخطاب عام قحط الحجاز المسمى عام الرمادة استأذنه في توصيل البحرين، فأذن له بكري الترعة القديمة، فأعادها وسماها «خليج أمير المؤمنين»، وجرت بها سفن الميرة إلى الحجاز، ولبثت مسلوكة حتى عهد «أبي جعفر المنصور» العباسي، فأمر بردمها عام (145ه/770م) حتى لا تنقل فيها الميرة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج عليه بالحجاز.

صفحة غير معروفة