وذلك أن أولهما كان أول أمره في خدمة مراد الثاني، ثم نصبه واليا على ألبانيا - موطنه الأصلي - فخرج على الدولة وأراد أن يستقل بألبانيا، وساعدته طبيعة تلك البلاد الجبلية على صد الجند العثمانية سنة بعد أخرى، فلم يقم للسلطان إخضاع ألبانيا إلا بعد عشرين عاما، أي بعد وفاة إسكندر بك في عام (871ه/1467م)، ولم يعش محمد الثاني لتحقيق أمنيته في إيطاليا.
أما «هونياد» فإنه وقف للسلطان في «بلغراد» عام (860ه/1456م) عندما أراد الإغارة على المجر وألبانيا، وهزمه هزيمة كبيرة اضطرته إلى الرجوع من تلك المدينة بعد أن خسر من جيوشه نحو 25000 مقاتل، فانصرف عن تلك البلاد الشمالية.
جامع أياصوفيا.
على أن صد جيوشه في هذين الموضعين لم يمنعه من مواصلة فتوحه في الجهات الأخرى؛ فاستولى في آسيا على «طربزون» - أطرابزندة - من بقية أملاك الروم، وأخضع إمارة «القرمان» التركية إخضاعا نهائيا، وفي سنة (879ه/1475م) دانت له بلاد «القرم» فبقيت خاضعة للدولة نحو ثلاثة قرون من الزمان. ثم كان عاقبة تغلبه على ألبانيا أن أزال أكبر عقبة في سبيل توسيع أملاكه من الغرب؛ فتوغل في أملاك البندقية توغلا فزع منه البنادقة، ولم يسعهم إلا أن عقدوا معه محالفة لتسلم لهم مدينتهم، سنة (882ه/1477م).
محمد الفاتح (رسم علي أفندي يوسف).
أما إيطاليا فلم يبرح أمرها قط من ذهن محمد الثاني، وكان جل أمانيه فتحها ورفع لواء الإسلام على رومية في الغرب، كما رفعه على القسطنطينية في الشرق.
ورأى أن يمهد الطريق لذلك بانتزاع جزيرة «رودس» من أيدي «فرسان القديس يوحنا»، فسير عليهم أسطولا عظيما، وضيق الحصار على جزيرتهم ثلاثة أشهر، ولكنه لم يقو عليهم، وفترت همة جنود الإنكشارية لما علموا أن السلطان منع استيلاءهم على شيء من غنائم الجزيرة، فاضطر محمد إلى فض الحصار، وأبرم مع الفرسان صلحا عام (885ه/1480م).
ثم عاد فوجه همه لفتح إيطاليا، فأرسل جيشا استولى على مدينة «أترنتو» سنة (885ه/1480م).
وكان في العام التالي يشتغل بإعداد حملة عظيمة لإتمام فتح تلك البلاد، فمات فجاءة عام (886ه/1481م)؛ وبموته انصرف العثمانيون عن هذه الجهة، وفي أيام خلفه أخلى العثمانيون «أترانتو» ذاتها، ولم يحتلوا بعدها شيئا من الأراضي الإيطالية.
ثم خلفه ابنه «بايزيد الثاني» (886-918ه/1481-1512م)، فكان أضعف سلاطين آل عثمان إلى ذلك الوقت، ولم يكد يجلس على العرش حتى خرج عليه أخوه الأصغر «جم» مطالبا بالملك، وكان قوي البأس، فلاقى بايزيد صعوبة كبيرة في مكافحته، إلى أن اضطره إلى الفرار إلى مصر. وكان بايزيد محبا للسلم، لا يدخل الحروب إلا مدافعا، ولم يزد في أملاك الدولة إلا بضع مدن في مورة، وقد علمنا ما كان من أمره مع مماليك مصر وانتصارهم على جيوشه في الشام. على أن قوة الأسطول عظمت في عهده، وصارت من ذلك الحين موضع خطر على الممالك الأوروبية، فلم يلبث أن اشتبك مع أسطول البنادقة في موقعة هائلة هي فاتحة الانتصارات البحرية العثمانية على ممالك البحر الأبيض، وكانت جنود الإنكشارية لا يعجبهم انكماش بايزيد وضعفه، فالتفوا حول أصغر أولاده «سليم»، وأرغموا بايزيد على التنازل عن العرش سنة (918ه/1512م).
صفحة غير معروفة