121

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

تصانيف

وكانت الدولة العلية في هذا الوقت في منتهى الضعف والانحلال؛ إذ كان علي باشا والي يانينة قد أنهك قواها كما سبق ذكره. هذا إلى أن السلطان محمودا الثاني لما رأى ما عليه جيشه من سوء النظام والاختلال اجتهد في إصلاحه وتنظيمه على الطرق الحديثة الغربية، فثار الجنود به وتألبوا، وأبوا إدخال النظام الجديد - كما حصل في عام (1230ه/1815م) لمحمد علي حينما أراد إصلاح جيشه - فاحتال على قتل العساكر الإنكشارية، رأس كل فتنة وسبب كل نكبة نكبت بها الدولة، فتم له ذلك عام (1241ه/1826م). فكان قضاؤه عليهم وقت أن كانت الدولة في حاجة إلى جندي واحد؛ وبذلك أصبح بلا جيش تقريبا.

ولما شبت نار الثورة اليونانية وتفاقم خطبها، وكادت تنتهي باستقلال اليونان بدون مساعدة الدول الأخرى لها، رأى السلطان محمود الثاني أن يستنجد بمحمد علي على قمع الفتنة في البلاد اليونانية.

ففي عام (1239ه/1823م) عين الباب العالي محمد علي واليا على جزيرة إقريطش فوق ولايته لمصر، وأصدر إليه الأوامر بإخماد الثورة هناك، فأرسل ابنه إبراهيم باشا، فهزم الثوار في صيف ذلك العام.

إبراهيم باشا.

وفي سلخ هذا العام (1824م) جعله السلطان واليا على بلاد المورة لإخضاعها؛ فجهز لذلك جيشا مؤلفا من 17000 مقاتل بإمرة إبراهيم باشا، وأقلع الجيش من ميناء الإسكندرية في (ذي القعدة سنة 1239ه/يوليو 1824م)، فالتقى الأسطول التركي الذي كان بقيادة خسرو باشا بالعمارة البحرية المصرية في جزيرة رودس، إلا أن فوز القائد «بياوليس» اليوناني أجبر العمارتين على الانزواء في جزيرة إقريطش عدة شهور. ثم تحين إبراهيم باشا الفرص، وأفلت من المدمرات اليونانية، ونزل في «مودن» بالقرب من «نوارين»،

8

في (شعبان سنة 1240ه/فبراير 1825م). وبعد أشهر قلائل أخضع كل بلاد المورة، واستولى على أمهات المدن فيها إلا «نوبليا». وكان أهم وقائع هذه الحرب الاستيلاء على «تريبولتزا»؛ إذ فتحها إبراهيم باشا عنوة بعد جهاد عظيم.

ولما أمده والده بمدد جديد انتقل إلى شمالي بلاد اليونان ليساعد رشيد باشا في حصار «مسولونجي»، وكان هذا يحاصرها من عدة شهور بدون فائدة، فعبر إبراهيم خليج «كورنثة» ومعه 10000 جندي، واستولى على الجزائر الواقعة عند مدخل ميناء المدينة، وبنى فيها قلاعا حصينة؛ فأغلق بذلك الميناء، وأتم الحصار برا وبحرا حتى لم يعد من الممكن وصول المدد إليها بأية طريقة، فسلمت في (رمضان 1241ه/أبريل سنة 1826م)، بعد أن خسر الجيش المصري عليها 6000 جندي، وخسر الترك 20000.

وفي أثناء ذلك قامت نار الثورة في بلاد المورة ثانية، فرجع إبراهيم باشا لإطفائها، إلا أنه عامل الأسرى اليونان بالقسوة، وأرسل ما يقرب من 5000 أسير إلى مصر بيعوا بها - على ما قيل - بيع الرقيق.

وكان رشيد باشا أثناء تلك الفترة يحاصر «أثينا»، وفتحها عنوة بعد المقاومة الشديدة، ثم وجه السلطان محمود الثاني ومحمد علي جل جهدهما إلى تدمير الأسطول اليوناني الراسي عند «هيدرا»، وكان لا يزال قويا.

صفحة غير معروفة