تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
تصانيف
وقد تشكى القبط من جوره، فهم يقولون: إنه كان يحتقر اعتقاداتهم، ويدخل أحيانا إلى كنائسهم ومعه رجال من حاشيته ويوقفهم عن صلاتهم .
وفي سنة 93ه أعاد قرة بن شريك - بأمر الوليد بن عبد الملك - بناء جامع عمرو، وفي سنة 96ه توفي قرة في الفسطاط؛ فأقيم مقامه عبد الملك بن رفاعة بن خالد، وكان قرة سيئ التدبير خبيثا ظالما غشوما فاسقا، وبعد ثلاثة أشهر من إمارته توفي الخليفة الوليد في دمشق في 15 جمادى الثانية، بعد أن حكم 9 سنين ونصف، وسنه 48 سنة، وقد بنى مقياسا للنيل في جزيرة الروضة، يقال: إن النيل جرفه، وقال آخرون: إن المأمون أمر بهدمه، وهذه صورة النقود التي ضربت في أيام الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 93ه.
شكل 4-1: نقود الوليد بن عبد الملك. (6) خلافة سليمان بن عبد الملك (من سنة 96-99ه/714-717م)
وبعد وفاة الوليد بويع أخوه سليمان بن عبد الملك الملقب بأبي أيوب، فسار على خطوات أخيه في توسيع نطاق مملكته؛ ففي أول سنة من خلافته فتح طبرستان وجورجيا، وأرسل أخاه مسلمة بن عبد الملك فحاصر القسطنطينية حصارا شديدا.
وعند أول خلافته أقر عبد الملك بن رفاعة على مصر، وجعل على خراجها أسامة بن يزيد المشهور بالظلم، ولقبه بعامل الخراج، وقد اتفق جمهور المؤرخين من مسلمين وأقباط على استبداد هذا الرجل وعسفه، ومما جعلهم يزيدون تظلما منه: أنه لم يكتف بإعلان الرهبان باستمرار الضريبة عليهم على حين أنهم كانوا ينتظرون رفعها عنهم، لكنه أمر أن يلبس كل منهم في كل سنة خاتما من حديد في إصبعه عليه اسمه، يأخذه من جابي الخراج إشارة إلى خلو طرفه، ومن يخالف ذلك تقطع يده، فإذا أصر على المخالفة يقتل؛ فكانت العساكر تطوف الأديرة والمعابد في هذا السبيل، فكم قتلوا من نفس زكية، وربما كانوا يرون قتلها واجبا، وكان أسامة مع ذلك يظهر رغبة شديدة في إصلاح شئون البلاد، وزيادة محصولاتها؛ فكان من وقت إلى آخر يتفقد الأرض وريها، وينتبه خصوصا لمقاييس النيل التي يعرف منها مقدار المحصولات. فعلم سنة 96ه بسقوط مقياس حلوان، فأعلم الخليفة بذلك؛ فأمر بإغفاله، وإقامة مقياس آخر في جنوبي الجزيرة بين الفسطاط والجيزة، وهو المكان المعروف بالروضة.
ومن ضرائب أسامة ضريبة فادحة مقدارها عشرة دنانير، تطلب من المار في النيل صاعدا أو نازلا، ولا يمر إلا من كان في يده جواز مؤذن له بذلك بعد أداء المبلغ المفروض، ومما يحكى أن أرملة سافرت في النيل مع ابن لها بعد دفع المفرض، ونيل تذكرة المرور بكل مشقة؛ نظرا لضيق ذات يدها، فحدث وهي في أثناء المسير أن ابنها هذا تطاول إلى النيل مستقيا فاختطفه تمساح وابتلعه وثيابه، والناس ينظرون، وكانت تذكرة المرور في جيبه، ولما وصلت المكان المقصود اعترضها صاحب التذاكر، وأبى إلا أن تبرز تذكرتها، فأخبرته ما كان من أمر ضياع ابنها على مشهد من الناس؛ فأغلق أذنيه عن صراخها، ولم يفرج عنها حتى باعت ما في يديها، ودفعت الفلس الأخير.
شكل 4-2: صورة رسالة عربية على البابيروس في أيام بني أمية.
كل هذه الإجراءات وغيرها جعلت المصريين في قنوط فثاروا على أسامة يطلبون الانتقام، وبينما هم في ذلك جاءهم النبأ بوفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك؛ فسكن جأشهم على أمل أن ينالوا ما يريدون ممن يخلفه، وكانت وفاته في 21 صفر سنة 99ه وهو يبني مدينة الرملة في فلسطين بعد أن حكم سنتين وثمانية أشهر وخمسة أيام وسنه 45 سنة، فبويع ابن عمه عمر بن عبد العزيز الملقب بأبي حفص؛ لأنه لم يكن من إخوته وولده من يصلح للخلافة. (7) خلافة عمر بن عبد العزيز (من 99-101ه/717-720م)
وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز محبا للعدالة، فرفع إليه المصريون شكواهم على أسامة؛ فأمر بعزله، وتولية أيوب بن شرحبيل، وكان هذا ورعا منزها مستقيما عادلا؛ فزاد في الإعطائيات، وعطل الحانات؛ فأنسى المصريين ما كان من استبداد أسامة وغلاظته، ثم بعث إليه الخليفة بالقبض على أسامة، وتكبيله بالحديد، وتسمير يديه ورجليه بأطواق من الخشب، وإرساله إليه؛ ففعل، فمات أسامة في الطريق.
وكان على الجيش في مصر حيان بن شريح، فبلغ عمر بن عبد العزيز أنه يطالب المسلمين بالجزية؛ فعظم عليه ذلك، وكتب إليه: «أرى يا حيان، أن تضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، فإن الله تعالى قال:
صفحة غير معروفة