تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

جرجي زيدان ت. 1331 هجري
202

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

تصانيف

فلما مات كتم موته عن العسكر، وحمل في محفة إلى أن دخل دمشق فدفن هناك ليلا، وكان موته في يوم الخميس ثامن عشر المحرم سنة 676ه، ومات وله من العمر نحو ستين سنة، وكان ملكا عظيما جليلا مهيبا كثير الغزوات خفيف الركاب يحب السفر والحركة في الشتاء والصيف، وكان مشهورا بالفروسية في الحرب، وله إقدام وعزم في القتال، وله ثبات عند التقاء الجيوش، وكان يلقب بأبي الفتوحات؛ لكثرة الفتوح في أيامه، وكان له موكب بمصر وموكب بالشام، وكان شعاره الأسد إشارة لشجاعته وقوة بأسه، وكان كريما سخيا على الرعية باسط اليد يفرق الغنائم التي تحصل من الفتوح على الرعية ترغيبا لهم في القتال وقت الحرب، وكان محبا لجمع الأموال كثير المصادرات لأجل الغزوات والتجاريد، وينفق ذلك على العسكر، وكان حسن الوجه طويل القامة مستدير اللحية الغالب في لحيته البياض، وكان مبجلا في موكبه كفؤا للسلطنة منقادا للشريعة يحب العلماء والصالحين، ويحب فعل الخير، وله بر ومعروف وآثار أهمها رده الخلافة لبني العباس بعد أن كادت تنقطع عنهم.

شكل 11-6: أسوار أنطاكية.

وخلف من الذكور ثلاثة، وهم: السعيد محمد بركة خان وقد ملك بعده، وسلامش وهذا ملك بعده أيضا، والمسعود خضر، وترك من البنات سبعا، ومما استولى عليه من أيدي الصليبيين: قيسارية وأرصوف وصفد وطبرية ويافا والشقيف وأنطاكية وبقراس والقصير وحصن الأكراد والقرين وحصن عكا وصافيتا ومرقية وحلب، وقد ناصفهم على المرقب وبانياس وترسوس وأدنة والمصيصة وغيرها من المدن في بر الأناضول ، وصار إلى يده مما كان في يد المسلمين: دمشق وبعلبك وعجلون وبصرى وصرخد والسلط وحمص وتدمر والرحبة وتل ناشر وصهيون وبلاطس وقلعة الكهف والقدموس والعليقة والخواني والرصافة ومصياف والقلعة والكرك والشوبك، وفتح بلاد النوبة وبرقة.

ومن أعماله المأثورة: أنه عمر الحرم النبوي وقبة الصخرة ببيت المقدس، وزاد في أوقاف الخليل، وعمر قناطر شبرامنت بالجيزة وسور الإسكندرية ومنار رشيد، وردم فم بحر دمياط ووعر طريقه، وعمر الشواني، وعمر قلعة دمشق وقلاع الصبيبة وبعلبك والسلط وصرخد وعجلون وبصرى وشيزر وحمص، وعمر المدرسة بين القصرين بالقاهرة والجامع الكبير بالحسينية، وقد جعله الفرنساويون عند مجيئهم إلى مصر قلعة، وهو البناء القديم في شارع الظاهر جعلته الحكومة مخازن للأقوات ويعرف بجامع الظاهر، وحفر خليج الإسكندرية القديم وباشره بنفسه، وبنى هناك قرية سماها الظاهرية، وحفر بحر أشمون طناح، وجدد الجامع الأزهر بالقاهرة، وأعاد إليه الخطبة، وعمر بلد السعيدية من الشرقية بمصر، وبنى القصر الأبلق في دمشق، ومن آثاره في القاهرة أيضا قناطر السباع قرب ميدان الجبل والبرج الكبير في القلعة.

وكان محبا لركوب الخيل الجياد ورمي النبال، فأنشأ ميدانا دعاه ميدان القبق، ويقال له أيضا: الميدان الأسود وميدان العبد والميدان الأخضر وميدان السباق، وكان شاغلا بقعة من الأرض تمتد بين النقرة التي ينزل إليها من قلعة الجبل وبين قبة النصر التي هي تحت الجبل الأحمر، وبنى فيه مصطبة سنة 666ه للاحتفال برمي النشاب، والتمرين على الحركات العسكرية، وكان يحث الناس على لعب الرمح ورمي النشاب ونحو ذلك. فكان ينزل كل يوم إلى هذه المصطبة من الظهر، فلا يركب منها إلى العشاء، وهو يرمي ويحرض الناس على الرمي والنضال والرهان، فما بقي أمير ولا مملوك إلا وهذا شغله، وما برح من بعده أولاده ومن بعدهم يمارسون في هذا الميدان جميع الألعاب الحربية.

وكان يقوم بنفقات جميع هذه الأعمال، وقلما يسلب الأهالي من المال فوق ما اعتادوا دفعه من الضرائب؛ لأن الغنائم التي كان يكسبها من أعدائه كانت تساعده كثيرا في النفقات.

هذه هي أعمال الملك الظاهر بيبرس قد تركت له أثرا يبقى ذكره دهورا طوالا.

وترى في شكل

11-7

صور نقود الملك الظاهر بيبرس وعليها صورة أسد.

صفحة غير معروفة